تَأْكُلْ فِي أَرْضِ اللَّهِ وَلا تَمَسُّوهَا بِسُوءٍ فَيَأْخُذَكُمْ عَذَابٌ قَرِيبٌ ﴿٦٤﴾ فَعَقَرُوهَا فَقَالَ تَمَتَّعُوا فِي دَارِكُمْ ثَلاثَةَ أَيَّامٍ ذَلِكَ وَعْدٌ غَيْرُ مَكْذُوبٍ ﴿٦٥﴾ فَلَمَّا جَاءَ أَمْرُنَا نَجَّيْنَا صَالِحًا وَالَّذِينَ آمَنُوا مَعَهُ بِرَحْمَةٍ مِنَّا وَمِنْ خِزْيِ يَوْمِئِذٍ إِنَّ رَبَّكَ هُوَ الْقَوِيُّ الْعَزِيزُ ﴿٦٦﴾ وَأَخَذَ الَّذِينَ ظَلَمُوا الصَّيْحَةُ فَأَصْبَحُوا فِي دِيَارِهِمْ جَاثِمِينَ ﴿٦٧﴾ كَأَنْ لَمْ يَغْنَوْا فِيهَا أَلا إِنَّ ثَمُودَ كَفَرُوا رَبَّهُمْ أَلا بُعْدًا لِثَمُودَ ﴿٦٨﴾ } [هود: ٥٩-٦٨] وَتِلْكَ عَادٌ يعني القبيلة ﴿جَحَدُوا بِآيَاتِ رَبِّهِمْ﴾ [هود: ٥٩] قال ابن عباس: كذبوا أنبياء الله.
وَعَصَوْا رُسُلَهُ إنما جمع الرسل وكان قد بعث إليهم هودا لأن من كذب رسولا واحدا فقد كفر بجميع الرسل ﴿وَاتَّبَعُوا أَمْرَ كُلِّ جَبَّارٍ عَنِيدٍ﴾ [هود: ٥٩] واتبع السفلة والسقاط الرؤساء، والعنيد: الذي لا يقبل الحق، من قولهم: عند الرجل يعند عنودا.
إذا أبى أن يقبل الشيء وإن عرفه، ﴿وَأُتْبِعُوا فِي هَذِهِ الدُّنْيَا لَعْنَةً﴾ [هود: ٦٠] أي: أردفوا لعنة تلحقهم وتتصرف معهم وَيَوْمَ الْقِيَامَةِ أي: وفي يوم القيامة، كما قال: ﴿لُعِنُوا فِي الدُّنْيَا وَالآخِرَةِ﴾ [النور: ٢٣]، ﴿أَلا إِنَّ عَادًا كَفَرُوا رَبَّهُمْ﴾ [هود: ٦٠] أي: بربهم، فحذف الياء، كما تقول: أمرتك الخير.
﴿أَلا بُعْدًا لِعَادٍ قَوْمِ هُودٍ﴾ [هود: ٦٠] يريد: بعدوا من رحمة الله.
قوله: وَإِلَى ثَمُودَ ظاهر إلى قوله ﴿هُوَ أَنْشَأَكُمْ مِنَ الأَرْضِ﴾ [هود: ٦١] يعني: خلقكم من آدم، وآدم خلق من الأرض وَاسْتَعْمَرَكُمْ فِيهَا جعلكم عمارا لها، أي: أورثكم الأرض فصرتم عمرتها بعد من مضوا ﴿قَالُوا يَا صَالِحُ قَدْ كُنْتَ فِينَا مَرْجُوًّا قَبْلَ هَذَا﴾ [هود: ٦٢] قال المفسرون: كان صالح يعدل عن دين قومه، ويبغض أصنامهم وكانوا يرجون رجوعه إلى دين أبيه وعشيرته، فلما أظهر دعاءهم إلى الله وترك عبادة الأصنام، زعموا أن رجاءهم انقطع منه ويئسوا من دخوله في ملتهم، وأنكروا عليه نهيه إياهم عن عبادة الأصنام.
فقالوا ﴿أَتَنْهَانَا أَنْ نَعْبُدَ مَا يَعْبُدُ آبَاؤُنَا وَإِنَّنَا لَفِي شَكٍّ مِمَّا تَدْعُونَا إِلَيْهِ﴾ [هود: ٦٢] من توحيد الله وعبادته مُرِيبٍ موقع للريبة.
﴿قَالَ يَا قَوْمِ أَرَأَيْتُمْ إِنْ كُنْتُ عَلَى بَيِّنَةً مِنْ رَبِّي﴾ [هود: ٦٣] الآية، يقول: يا قوم أعلمتم من ﴿يَنْصُرُنِي مِنَ اللَّهِ﴾ [هود: ٦٣] ؟ من يمنعني من عذاب الله إِنْ عَصَيْتُهُ بعد بينة من ربي ونعمة؟ قوله: ﴿فَمَا تَزِيدُونَنِي غَيْرَ تَخْسِيرٍ﴾ [هود: ٦٣] لم يكن صالح في خسارة حين قال لهم هذا، وإنما المعنى ما تزيدونني بما تقولون، يعني قولهم ﴿أَتَنْهَانَا أَنْ نَعْبُدَ مَا يَعْبُدُ آبَاؤُنَا﴾ [هود: ٦٢] إلا نسبتي إياكم إلى الخسارة، والتخسير مثل التفسيق والتفجير، قال ابن الأعرابي: يريد: غير تخسير لكم لا لي، ومعنى التخسير: التضليل والإبعاد من الخير.
﴿وَيَا قَوْمِ هَذِهِ نَاقَةُ اللَّهِ لَكُمْ آيَةً﴾ [هود: ٦٤] الآية مشروحة في ﴿ [الأعراف، وقوله:] تَمَتَّعُوا فِي دَارِكُمْ﴾ [سورة هود: ٦٥] يعني: عيشوا في بلدكم، وعبر عن الحياة بالتمتع لأن الحي يكون متمتعا بالحواس، وقوله ثَلاثَةَ أَيَّامٍ قال المفسرون: لما عقرت الناقة صعد فصيلها الجبل ورغا رغوة ثلاثا، فقال صالح: لكل رغوة أجل معلوم فاصفر ألوانهم أول يوم، ثم أحمر من الغد، ثم اسود اليوم الثالث، وهو قوله: ذَلِكَ وَعْدٌ أي: العذاب غَيْرُ مَكْذُوبٍ أي: غير كذب.


الصفحة التالية
Icon