بالمكيال، وهو ما يكال به، ونقص المكيال أن يجعل على حد أنقص مما هو عليه المعهود، ونقص الميزان أن تجعل الصنجات أخف، وما يوزن به فهو ميزان والصنجات يوزن بها، وقوله: ﴿إِنِّي أَرَاكُمْ بِخَيْرٍ﴾ [هود: ٨٤] يعني: الخصب والنعمة، والمعنى: أنه حذرهم غلاء السعر وزوال النعمة إن لم يتوبوا، وقال الفراء: لا تنقصوا المكيال وأموالكم كثيرة وأسعاركم رخيصة يعني: أيّ حاجة بكم إلى سوء الكيل والوزن بعد أن أنعم الله تعالى عليكم برخص السعر وكثرة المال، وقوله: ﴿وَإِنِّيَ أَخَافُ عَلَيْكُمْ عَذَابَ يَوْمٍ مُحِيطٍ﴾ [هود: ٨٤] يوعدهم بعذاب محيط بهم فلا يفلت منهم أحد.
﴿وَيَا قَوْمِ أَوْفُوا الْمِكْيَالَ وَالْمِيزَانَ بِالْقِسْطِ﴾ [هود: ٨٥] أي: أتموهما بالعدل والإيفاء الإتمام ﴿وَلا تَبْخَسُوا النَّاسَ أَشْيَاءَهُمْ﴾ [هود: ٨٥] ولا تنقصوا الناس ما يستحقون عليكم، قال ابن عباس: إنكم معشر الأعاجم قد وليتم أمرين هلك بهما من كان قبلكم من الأمم: المكيال والميزان.
وكان ابن عمر يمر بالبائع فيقول: اتق الله أوف الكيل أوف الوزن.
وقوله: ﴿بَقِيَّتُ اللَّهِ خَيْرٌ لَكُمْ﴾ [هود: ٨٦] قال ابن عباس: يعني: ما أبقى الله لكم من الحلال بعد إتمام الكيل والوزن خير لكم من البخس والتطفيف.
يعني: من تعجل النفع بالبخس في المكيال والميزان، ﴿إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ﴾ [هود: ٨٦] شرط الإيمان في كونه خيرا لهم لأنهم إن كانوا مؤمنين بالله عرفوا صحة ما يقول، ﴿وَمَا أَنَا عَلَيْكُمْ بِحَفِيظٍ﴾ [هود: ٨٦] أي: لم أؤمر بقتالكم وإكراهكم على الإيمان.
﴿قَالُوا يَا شُعَيْبُ أَصَلاتُكَ تَأْمُرُكَ أَنْ نَتْرُكَ مَا يَعْبُدُ آبَاؤُنَا﴾ [هود: ٨٧] قال عطاء: يريد: دينك يأمرك فكنى عن الدين بالصلاة لأنها من أمر الدين.
وكان شعيب كثير الصلاة لذلك قالوا هذا كأنهم قالوا: في دينك أن تأمرنا بترك ما يعبد آباؤنا ﴿أَوْ أَنْ نَفْعَلَ فِي أَمْوَالِنَا مَا نَشَاءُ﴾ [هود: ٨٧] من البخس والظلم ﴿إِنَّكَ لَأَنْتَ الْحَلِيمُ الرَّشِيدُ﴾ [هود: ٨٧] أي: السفيه الجاهل، وإنما قالوا هذا على طريق الاستهزاء، وجميع الآية إخبار عن استهزائهم بنبيهم حيث أنكروا عليه أمرهم بالمعروف، ﴿قَالَ يَا قَوْمِ﴾ [هود: ٨٨] تقدم تفسيره في هذه ال ﴿ [، وقوله:] وَرَزَقَنِي مِنْهُ رِزْقًا حَسَنًا﴾ [سورة هود: ٨٨] يعني: حلالا، كان شعيب كثير المال، قال الزجاج: جواب إن محذوف، والمعنى: إن كنت على بينة من ربي ورزقني المال الحلال أأتبع الضلال فأبخس وأطفف.
يريد: أن الله قد أغناه بالمال الحلال ﴿وَمَا أُرِيدُ أَنْ أُخَالِفَكُمْ إِلَى مَا أَنْهَاكُمْ عَنْهُ﴾ [هود: ٨٨] قال ابن عباس: وما أريد أن أفعل ما أنهاكم عنه.
وقال قتادة: لم أكن أنهاكم عن أمر أرتكبه.
وقال الزجاج: لست أنهاكم عن شيء وأدخل فيه.
﴿إِنْ أُرِيدُ إِلا الإِصْلاحَ﴾ [هود: ٨٨] ما أريد إلا الإصلاح فيما بيني وبينكم بأن تعبدوا الله وحده، وتفعلوا كما يفعل من يخاف الله، وقوله: مَا اسْتَطَعْتُ أي: بقدر طاقتي، وطاقته البلاغ والإنذار، ثم أعلم أنه لا يقدر أحد على الطاعة إلا بتوفيق الله فقال: ﴿وَمَا تَوْفِيقِي إِلا بِاللَّهِ عَلَيْهِ تَوَكَّلْتُ وَإِلَيْهِ أُنِيبُ﴾ [هود: ٨٨] أرجع في المعاد.
قوله: ﴿وَيَا قَوْمِ لا يَجْرِمَنَّكُمْ﴾ [هود: ٨٩] لا يكسبنكم شِقَاقِي خلافي ومعاداتي أَنْ


الصفحة التالية
Icon