قوله: ﴿فَأَمَّا الَّذِينَ شَقُوا فَفِي النَّارِ لَهُمْ فِيهَا زَفِيرٌ وَشَهِيقٌ﴾ [هود: ١٠٦] قال الزجاج: هما من أصوات المحزونين.
وحكي عن أهل اللغة جميعا أن الزفير بمنزلة ابتداء صوت الحمار بالنهيق، والشهيق بمنزلة آخر صوته.
ونحو هذا قال المفسرون، قال الضحاك، ومقاتل: الزفير أول نهيق الحمار والشهيق آخره حين يفرغ من صوته إذا رده في جوفه.
والمعنى ما رواه ابن عباس في رواية عطاء قال: يريد ندامة، ونفسا عاليا، وبكاء لا ينقطع.
قوله: ﴿خَالِدِينَ فِيهَا مَا دَامَتِ السَّمَوَاتُ وَالأَرْضُ﴾ [هود: ١٠٧] قال الضحاك: ما دامت سموات الجنة والنار وأرضهما وكل ما علاك فهو سماء وكل ما استقرت عليه قدمك فهو أرض.
والأكثرون على أن المراد بهذا التأبيد، كأنه قال: خالدين فيها أبدا.
قال ابن قتيبة، وابن الأنباري: للعرب في معنى الأبد ألفاظ، تقول: لا أفعل ذلك ما اختلف الليل والنهار، وما دامت السموات والأرض، وما اختلفت الجرة والدرة، وما أطت الإبل، وفي أشباه كثيرة لهذا ظنا منهم أن هذه الأشياء لا تتغير، فخاطبهم الله بما يستعملون في كلامهم، قوله: ﴿إِلا مَا شَاءَ رَبُّكَ﴾ [هود: ١٠٧] قال الفراء: هذا استثناء استثناه الله كقولك: والله لأضربنك إلا أن أرى غير ذلك.
وعزيمتك على ضربه.
كذلك قال: ﴿خَالِدِينَ فِيهَا مَا دَامَتِ السَّمَوَاتُ وَالأَرْضُ إِلا مَا شَاءَ رَبُّكَ﴾ [هود: ١٠٧] ولا يشاؤه، وقال ابن الأنباري: وقع الاستثناء على معنى: لو شاء ألا يخلدهم لقدر.
وقال الزجاج، وابن كيسان، وابن قتيبة: الاستثناء يعود إلى مكثهم في الدنيا والبرزخ والوقوف للحساب كأنه قال: خالدين فيها إلا هذه المدة ثم يصيرون إلى النار أبدا.
وقوله: ﴿إِنَّ رَبَّكَ فَعَّالٌ لِمَا يُرِيدُ﴾ [هود: ١٠٧] قال ابن عباس: يعني: من إخراج أهل التوحيد من النار.
وأما الذين سَعِدُوا وقرأ أهل الكوفة سُعدوا بضم السين، قال الفراء: كلام العرب: سَعدوا، يقال: سَعد الرجل وأسعده الله، إلا هذيلة فإنهم يقولون: سُعد الرجل بالضم، وبذلك قرأ أصحاب عبد الله، وقال الكسائي: سعد وأسعد لغتان، قوله: عَطَاءً نصب بما دل عليه الكلام كأنه قال: أعطاهم النعيم عطاء غَيْرَ مَجْذُوذٍ غير مقطوع، والجذ القطع.
{فَلا تَكُ فِي مِرْيَةٍ مِمَّا يَعْبُدُ هَؤُلاءِ مَا يَعْبُدُونَ إِلا كَمَا يَعْبُدُ آبَاؤُهُمْ مِنْ قَبْلُ وَإِنَّا لَمُوَفُّوهُمْ نَصِيبَهُمْ غَيْرَ