فَلَوْلا كَانَ مِنَ الْقُرُونِ مِنْ قَبْلِكُمْ أُولُو بَقِيَّةٍ يَنْهَوْنَ عَنِ الْفَسَادِ فِي الأَرْضِ إِلا قَلِيلا مِمَّنْ أَنْجَيْنَا مِنْهُمْ وَاتَّبَعَ الَّذِينَ ظَلَمُوا مَا أُتْرِفُوا فِيهِ وَكَانُوا مُجْرِمِينَ ﴿١١٦﴾ وَمَا كَانَ رَبُّكَ لِيُهْلِكَ الْقُرَى بِظُلْمٍ وَأَهْلُهَا مُصْلِحُونَ ﴿١١٧﴾ وَلَوْ شَاءَ رَبُّكَ لَجَعَلَ النَّاسَ أُمَّةً وَاحِدَةً وَلا يَزَالُونَ مُخْتَلِفِينَ ﴿١١٨﴾ إِلا مَنْ رَحِمَ رَبُّكَ وَلِذَلِكَ خَلَقَهُمْ وَتَمَّتْ كَلِمَةُ رَبِّكَ لأَمْلأَنَّ جَهَنَّمَ مِنَ الْجِنَّةِ وَالنَّاسِ أَجْمَعِينَ ﴿١١٩﴾ } [هود: ١١٦-١١٩] ﴿فَلَوْلا كَانَ مِنَ الْقُرُونِ مِنْ قَبْلِكُمْ﴾ [هود: ١١٦] قال ابن عباس: يريد: ما كان.
ومعنى لولا ههنا نفي عند المفسرين، قال الفراء: لم يكن منهم أحد.
يعني من القرون المهلكة أُولُو بَقِيَّةٍ قال ابن عباس: أولو دين.
وقال ابن قتيبة: أي: أولو بقية من دين، يقال: قوم لهم بقية، وفيهم بقية.
إذا كانت فيهم مسكة خير.
وقوله: ﴿يَنْهَوْنَ عَنِ الْفَسَادِ فِي الأَرْضِ﴾ [هود: ١١٦] عن الشرك والاعتداء في حقوق الله والمعصية ﴿إِلا قَلِيلا مِمَّنْ أَنْجَيْنَا مِنْهُمْ﴾ [هود: ١١٦] يعني: اتباع الأنبياء وأهل الحق ﴿وَاتَّبَعَ الَّذِينَ ظَلَمُوا مَا أُتْرِفُوا فِيهِ﴾ [هود: ١١٦] المترف: الذي أبطرته النعمة وسعة العيش، قال الفراء: اتبعوا في دنياهم ما عودوا من النعيم، وإيثار اللذات على أمر الآخرة، وركنوا إلى الدنيا والأموال واللذات، وما أعطوا من نعيمها.
قوله تعالى: ﴿وَمَا كَانَ رَبُّكَ لِيُهْلِكَ الْقُرَى بِظُلْمٍ﴾ [هود: ١١٧] الآية: يريد وما كان ربك ليهلك أهل القرى بشركهم وظلمهم لأنفسهم وهم مُصْلِحُونَ يتعاطون الحق فيما بينهم، أي: ليس من سبيل الكفار إذا قصدوا الحق في المعاملة، وتركوا الظلم، أن ينزل الله بهم عذابا يهلكهم.
وهذا قول ابن عباس في رواية عطاء، قال: ﴿وَمَا كَانَ رَبُّكَ لِيُهْلِكَ الْقُرَى﴾ [هود: ١١٧] يريد الرجال، بظلم بشرك، وأهلها مصلحون يريد: فيما بينهم، كقوم لوط عذبهم الله باللواط، وقوم شعيب عذبوا ببخس المكيال.
قوله: ﴿وَلَوْ شَاءَ رَبُّكَ لَجَعَلَ النَّاسَ أُمَّةً وَاحِدَةً﴾ [هود: ١١٨] قال ابن عباس: يريد: على دينك الذي بعثت به.
وقال قتادة: يجعل الناس أمة واحدة بأن يجعلهم مسلمين.
﴿وَلا يَزَالُونَ مُخْتَلِفِينَ﴾ [هود: ١١٨] في الدين من بين يهودي ونصراني ومجوسي وغيرها من الملل، ﴿إِلا مَنْ رَحِمَ رَبُّكَ﴾ [هود: ١١٩] يعني: أهل الحق وَلِذَلِكَ خَلَقَهُمْ قال الضحاك، ومجاهد، وقتادة: وللرحمة خلقهم، يعني: الذين رحمهم.
وقال الحسن، ومقاتل: للاختلاف خلقهم، يعني المختلفين، وقال ابن عباس في رواية عطاء: يريد: خلق أهل الرحمة للرحمة، وأهل الاختلاف للاختلاف.
وهذا اختيار الفراء، والزجاج، قال أبو عبيد: الذي أختاره في تفسير هذه الآية قول من قال خلق فريقا لرحمته وفريقا لعذابه لأنه موافق للسنة.
قال الزجاج: ويدل على صحة هذا قوله: ﴿وَتَمَّتْ كَلِمَةُ رَبِّكَ لأَمْلأَنَّ جَهَنَّمَ مِنَ الْجِنَّةِ وَالنَّاسِ أَجْمَعِينَ﴾ [هود: ١١٩].
قال الكلبي: يريد من كفار الجن وكفار الإنس.