الصواع حِمْلُ بَعِيرٍ من الطعام ﴿وَأَنَا بِهِ زَعِيمٌ﴾ [يوسف: ٧٢] كفيل، يقول المؤذن وقد ضمن حمل بعير لمن رد إليه الصواع، ﴿قَالُوا تَاللَّهِ لَقَدْ عَلِمْتُمْ مَا جِئْنَا لِنُفْسِدَ فِي الأَرْضِ﴾ [يوسف: ٧٣] حلفوا على علم قوم يوسف لأنهم غير قاصدين لفساد لأنهم كانوا معروفين بأنهم لا يظلمون أحدا، وذلك أنهم لما وجدوا بضاعتهم في رحالهم لم يستحلوا أخذها، وبادروا بردها وذلك قوله: ﴿وَمَا كُنَّا سَارِقِينَ﴾ [يوسف: ٧٣] ومن رد ما وجد كيف يكون سارقا.
﴿قَالُوا فَمَا جَزَاؤُهُ﴾ [يوسف: ٧٤] أي: ما جزاء الَّسِرِق ﴿إِنْ كُنْتُمْ كَاذِبِينَ﴾ [يوسف: ٧٤] في قولكم: وما كنا سارقين؟ ﴿قَالُوا جَزَاؤُهُ مَنْ وُجِدَ فِي رَحْلِهِ﴾ [يوسف: ٧٥] قال المفسرون: كانوا في ذلك الزمان يستعبدون كل سارق بسرقته وكان ذلك لهم كالقطع في شرعنا.
لذلك ﴿قَالُوا جَزَاؤُهُ مَنْ وُجِدَ فِي رَحْلِهِ﴾ [يوسف: ٧٥] أي: جزاء السَّرِقِ السارق، وهو الإنسان الذي وجد المسروق في رحله، وقوله: فَهُوَ جَزَاؤُهُ زيادة في الإبانة كَذَلِكَ مثل ما ذكرنا من الجزاء نَجْزِي الظَّالِمِينَ يعني: إذا سرق استرقّ، فقال لهم المؤذن: لا بد من تفتيش أمتعتكم.
وانصرف بهم إلى يوسف، فَبَدَأَ يوسف في التفتيش ﴿بِأَوْعِيَتِهِمْ قَبْلَ وِعَاءِ أَخِيهِ﴾ [يوسف: ٧٦] لإزالة التهمة ثُمَّ اسْتَخْرَجَهَا يعني السقاية ﴿مِنْ وِعَاءِ أَخِيهِ﴾ [يوسف: ٧٦] قال المفسرون: ولما فتش أوعيتهم ولم يبق إلا رحل بنيامين، قال يوسف: ما أظن هذا أخذ شيئا.
فقال إخوته: والله لا نبرح حتى تنظر في رحله، فإنه أطيب لنفسك.
فلما فتحوا متاعه استخرجوا الصاع منه، فأقبلوا على بنيامين، وقالوا: إيش الذي صنعت؟ فضحتنا وسودت وجوهنا متى أخذت هذا الصاع؟ فقال: وضع هذا الصاع في رحلي الذي وضع الدراهم في رحالكم.
وقوله: ﴿كَذَلِكَ كِدْنَا لِيُوسُفَ﴾ [يوسف: ٧٦] أي: دبرنا له بأن ألهمناه أن يجعل السقاية في رحل أخيه ليتوصل به إلى حبسه مَا كَانَ يوسف ﴿لِيَأْخُذَ أَخَاهُ فِي دِينِ الْمَلِكِ﴾ [يوسف: ٧٦] قال ابن عباس وقتادة: في حكم الملك وقضائه، وذلك أن حكم الملك في السارق أن يضرب ويغرم ضعفي ما سرق، فلم يكن يتمكن يوسف من حبس أخيه عنده في حكم الملك لولا ما كاد الله له تلطفا، حتى وجد السبيل إلى ذلك وهو ما أجرى على السنة إخوته أن جزاء السارق الاسترقاق، فأقروا به وكان ذلك مراده وهو معنى قوله: ﴿إِلا أَنْ يَشَاءَ اللَّهُ﴾ [يوسف: ٧٦] فكان ذلك بمشيئة الله، وقوله: ﴿نَرْفَعُ دَرَجَاتٍ مَنْ نَشَاءُ﴾ [يوسف: ٧٦] أي: بضروب الإعطاء والكرامات وأبواب العلوم كما رفعنا درجة يوسف ﴿وَفَوْقَ كُلِّ ذِي عِلْمٍ﴾ [يوسف: ٧٦] ممن رفعه الله عَلِيمٌ قد رفعه الله بالعلم فهو أعلم منه، قال ابن عباس: يكون هذا أعلم من هذا، وهذا أعلم من هذا حتى ينتهي العلم إلى الله تعالى.
قَالُوا أي: الإخوة ليوسف إِنْ يَسْرِقْ بنيامين الصواع ﴿فَقَدْ سَرَقَ أَخٌ لَهُ مِنْ قَبْلُ﴾ [يوسف: ٧٧] قال ابن عباس: يريدون يوسف، وكان يوسف يأخذ الطعام من مائدة أبيه سرا فيتصدق به.
وقال سعيد بن جبير، وقتادة: سرق صنما لجده أبي أمه فكسره وألقاه، وقال محمد بن إسحاق، ومجاهد: إن جدته خبأت في ثيابه منطقة كانت لإسحاق يتوارثونها بالكبر لتملكه بالسرق محبة لمقامه عندها.
وقوله: ﴿فَأَسَرَّهَا يُوسُفُ فِي نَفْسِهِ وَلَمْ يُبْدِهَا لَهُمْ﴾ [يوسف: ٧٧] أي: أسر إجابة