مُشْرِكُونَ ﴿١٠٦﴾ أَفَأَمِنُوا أَنْ تَأْتِيَهُمْ غَاشِيَةٌ مِنْ عَذَابِ اللَّهِ أَوْ تَأْتِيَهُمُ السَّاعَةُ بَغْتَةً وَهُمْ لا يَشْعُرُونَ ﴿١٠٧﴾ } [يوسف: ١٠٢-١٠٧] ﴿ذَلِكَ مِنْ أَنْبَاءِ الْغَيْبِ نُوحِيهِ إِلَيْكَ﴾ [يوسف: ١٠٢] أي: ذلك الذي قصصنا عليك من أمر يوسف وإخوته من الأخبار التي كانت غائبة عنك فأنزلته عليك دلالة على إثبات نبوتك ﴿وَمَا كُنْتَ لَدَيْهِمْ﴾ [يوسف: ١٠٢] عند إخوة يوسف ﴿إِذْ أَجْمَعُوا أَمْرَهُمْ﴾ [يوسف: ١٠٢] عزموا على أمرهم وَهُمْ يَمْكُرُونَ بيوسف.
قوله: ﴿وَمَا أَكْثَرُ النَّاسِ﴾ [يوسف: ١٠٣] الآية، قال ابن الأنباري: وإن قريشا واليهود سألت رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عن قصة يوسف وإخوته فشرحها شرحا وافيا وهو يؤمل أن يكون ذلك سببا لإسلامهم، فخالفوا ظنه، وحزن رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بذلك فعزاه الله بقوله: ﴿وَمَا أَكْثَرُ النَّاسِ وَلَوْ حَرَصْتَ بِمُؤْمِنِينَ﴾ [يوسف: ١٠٣] قال الزجاج: معناه: وما أكثر الناس بمؤمنين ولو حرصت على أن تهديهم لأنك ﴿لا تَهْدِي مَنْ أَحْبَبْتَ وَلَكِنَّ اللَّهَ يَهْدِي مَنْ يَشَاءُ﴾ [القصص: ٥٦].
﴿وَمَا تَسْأَلُهُمْ عَلَيْهِ مِنْ أَجْرٍ﴾ [يوسف: ١٠٤] على القرآن وتلاوته عليهم وهدايتك إياهم من مال يعطونك إِنْ هُوَ ما هو ﴿إِلا ذِكْرٌ لِلْعَالَمِينَ﴾ [يوسف: ١٠٤] تذكرة لهم بما هو صلاحهم ونجاتهم من النار.
﴿وَكَأَيِّنْ مِنْ آيَةٍ﴾ [يوسف: ١٠٥] وكم من آية ﴿فِي السَّمَوَاتِ وَالأَرْضِ﴾ [يوسف: ١٠٥] تدلهم على توحيد الله من: أمر السماء وأنها بغير عمد، فيها أعظم البرهان على أن لها خالقا، وكذلك فيما يشاهد في الأرض من جبالها ونباتها وبحارها يَمُرُّونَ عَلَيْهَا يتجاوزونها غير مفكرين ولا معتبرين بها، ولما سمع المشركون هذا قالوا: إنا نؤمن بالله الذي خلق هذه الأشياء، فأنزل الله ﴿وَمَا يُؤْمِنُ أَكْثَرُهُمْ بِاللَّهِ﴾ [يوسف: ١٠٦] أي: إقرار بأن الله خلقه وخلق السموات والأرض إلا وهو مشرك بعبادة الوثن، والمعنى: أنهم كانوا يعترفون بأن الله خالقهم ورازقهم، ويجعلون له شركاء من الأصنام، وهو قوله: ﴿إِلا وَهُمْ مُشْرِكُونَ﴾ [يوسف: ١٠٦] ليس يراد بقوله: ﴿وَمَا يُؤْمِنُ أَكْثَرُهُمْ﴾ [يوسف: ١٠٦] حقيقة الإيمان ولكن المعنى: أن أكثرهم مع إظهارهم الإيمان بألسنتهم مشركون، ثم خوفهم فقال: أَفَأَمِنُوا يعني المشركين ﴿أَنْ تَأْتِيَهُمْ غَاشِيَةٌ مِنْ عَذَابِ اللَّهِ﴾ [يوسف: ١٠٧] عقوبة تغشاهم وتتسلط عليهم ﴿أَوْ تَأْتِيَهُمُ السَّاعَةُ﴾ [يوسف: ١٠٧] القيامة بَغْتَةً فجأة، يقال: بغتهم الأمر بغتا وبغتة.
إذا فاجأهم ﴿وَهُمْ لا يَشْعُرُونَ﴾ [يوسف: ١٠٧] بإتيانها.
قوله: ﴿قُلْ هَذِهِ سَبِيلِي أَدْعُو إِلَى اللَّهِ عَلَى بَصِيرَةٍ أَنَا وَمَنِ اتَّبَعَنِي وَسُبْحَانَ اللَّهِ وَمَا أَنَا مِنَ الْمُشْرِكِينَ {١٠٨﴾ وَمَا أَرْسَلْنَا مِنْ قَبْلِكَ إِلا رِجَالا نُوحِي إِلَيْهِمْ مِنْ أَهْلِ الْقُرَى أَفَلَمْ يَسِيرُوا فِي الأَرْضِ فَيَنْظُرُوا كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ وَلَدَارُ الآخِرَةِ خَيْرٌ لِلَّذِينَ اتَّقَوْا أَفَلا تَعْقِلُونَ ﴿١٠٩﴾ حَتَّى إِذَا اسْتَيْأَسَ الرُّسُلُ وَظَنُّوا أَنَّهُمْ قَدْ كُذِبُوا جَاءَهُمْ نَصْرُنَا فَنُجِّيَ مَنْ نَشَاءُ وَلا يُرَدُّ بَأْسُنَا عَنِ الْقَوْمِ الْمُجْرِمِينَ ﴿١١٠﴾ } [يوسف: ١٠٨-١١٠] ﴿قُلْ هَذِهِ سَبِيلِي﴾ [يوسف: ١٠٨] قل يا محمد للمشركين: هذه الدعوة التي أدعوا إليها والطريقة التي أنا عليها سبيلي، سنتي ومنهاجي وديني ﴿أَدْعُو إِلَى اللَّهِ عَلَى بَصِيرَةٍ أَنَا﴾ [يوسف: ١٠٨] على دين ويقين، والبصيرة المعرفة التي يميز بها الحق من الباطل وَمَنِ اتَّبَعَنِي قال الفراء: ومن اتبعني يدعو إلى الله كما أدعو.
وهذا قول الكلبي قال: حق على من اتبعه أن يدعو إلى ما دعا إليه، ويذكر بالقرآن والموعظة، وينهى عن معاصي الله.
قال ابن الأنباري: ويجوز أن يتم الكلام عند قوله: الله ثم ابتدأ فقال: على بصيرة أنا ومن اتبعني، وهذا معنى قول ابن عباس، قال: يعني أصحاب محمد صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كانوا على أحسن طريقة، وقوله: وَسُبْحَانَ الله أي: قل هذه سبيلي، وقل سبحان الله تنزيها لله عما أشركوا ﴿وَمَا أَنَا مِنَ الْمُشْرِكِينَ﴾ [يوسف: ١٠٨] الذين اتخذوا مع الله ندا وكفؤا وولدا، قوله: ﴿وَمَا أَرْسَلْنَا مِنْ قَبْلِكَ إِلا رِجَالا﴾ [يوسف: ١٠٩] هذا رد لإنكارهم نبوته، يقول: لم نبعث قبلك إلا