رِيحَهَا، وَأَرْوَاحُ الْكُفَّارِ يُعَذَّبُونَ فِي قُبُورِهِمْ، حَتَّى إِذَا نُفِخَ فِي الصُّورِ النَّفْخَةُ الأُولَى؛ رُفِعَ الْعَذَابُ وَكَانَتِ الأَرْوَاحُ عِنْدَ ذَلِكَ أَرْوَاحَ الْمُؤْمِنِينَ، وَأَرْوَاحَ الْكَافِرِينَ، وَرُفِعَ الْعَذَابُ عَنِ الْكُفَّارِ فِيمَا بَيْنَ النَّفْخَتَيْنِ، فَذَلِكَ قَوْلُهُ، تَعَالَى: ﴿كُلُّ شَيْءٍ هَالِكٌ إِلا وَجْهَهُ﴾ فَأَشْيَاءُ تَفْنَى وَيَبْقَى وَجْهُ اللَّهِ الْكَرِيمِ، هَذَا الَّذِي ذَكَرْنَا كُلَّهُ عِنْدَ التَّحْقِيقِ ضَرْبٌ مِنَ التَّكَلُّفِ؛ لأَنَّ اللَّهَ، تَعَالَى، أَبْهَمَ عِلْمَ ذَلِكَ
قال عبد الله بن بريدة: ما يبلغ الجن والإنس والملائكة والشياطين علم الروح، ولقد مات رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وما يدري الروح.
وقال الفراء: الروح الذي يعيش به الإنسان لم يخبر الله به أحدا من خلقه، ولم يعط علمه أحدا من عباده.
فقال: ﴿قُلِ الرُّوحُ مِنْ أَمْرِ رَبِّي﴾ [الإسراء: ٨٥] أي: من علم ربي، أي أنكم لا تعلمونه، وقوله: ﴿وَمَا أُوتِيتُمْ مِنَ الْعِلْمِ إِلا قَلِيلا﴾ [الإسراء: ٨٥] أي: بالأضافة إلى علم الله تعالى، وذلك أن اليهود تذكر كل شيء بما فِي كتبهم، فقال الله: ﴿وَمَا أُوتِيتُمْ مِنَ الْعِلْمِ إِلا قَلِيلا﴾ [الإسراء: ٨٥] وقال الزجاج: ويجوز أن يكون الخطاب للنبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ والمؤمنين، وذلك حين لم يعرف رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، ولم يبين الله له ذلك، قال له: ﴿وَمَا أُوتِيتُمْ مِنَ الْعِلْمِ إِلا قَلِيلا﴾ [الإسراء: ٨٥] يدل على هذا قوله: ﴿وَلَئِنْ شِئْنَا لَنَذْهَبَنَّ بِالَّذِي أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ﴾ [الإسراء: ٨٦] أي: إني أقدر أن آخذ ما أعطيتك، كأنه يقول: لم تؤت إلا قليلا من العلم، ولو شئت أن آخذ ذلك قدرت، قال الزجاج: لو شئنا لمحوناه من القلوب ومن الكتب حتى لا يوجد له أثر.
٥٥٦ - أَخْبَرَنَا إِسْمَاعِيلُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ الْوَاعِظُ، أنا أَبُو الْحَسَنِ مُحَمَّدُ بْنُ أَحْمَدَ بْنِ حَامِدٍ الْعَطَّارُ، أنا أَحْمَدُ بْنُ الْحَسَنِ بْنِ عَبْدِ الْجَبَّارِ، نا أَبُو مُحَمَّدٍ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ صَالِحٍ الأَزْدِيُّ، نا شَرِيكٌ، عَنْ عَبْدِ الْعَزِيزِ بْنِ رُفَيْعٍ، عَنْ شَدَّادِ بْنِ مَعْقِلٍ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ، قَالَ: أَوَّلُ مَا تَفْقِدُونَ مِنْ دِينِكُمُ الأَمَانَةُ، وَآخِرُ مَا يَبْقَى مِنْهُ الصَّلاةُ، وَلَيُصَلِّيَنَّ أَقْوَامٌ لا خَلاقَ لَهُمْ، وَسَيُرْفَعُ الْقُرْآنُ مِنْ بَيْنِ أَظْهُرِكُمْ، ثُمَّ قَرَأَ عَبْدُ اللَّهِ: ﴿وَلَئِنْ شِئْنَا لَنَذْهَبَنَّ بِالَّذِي أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ﴾
وقوله: ﴿ثُمَّ لا تَجِدُ لَكَ بِهِ عَلَيْنَا وَكِيلا﴾ [الإسراء: ٨٦] أي: لا تجد من تتكل عليه فِي رد شيء منه.
﴿إِلا رَحْمَةً مِنْ رَبِّكَ﴾ [الإسراء: ٨٧] لكن الله رحمك، فأثبت ذلك فِي قلبك وقلوب المؤمنين، ﴿إِنَّ فَضْلَهُ كَانَ عَلَيْكَ كَبِيرًا﴾ [الإسراء: ٨٧] قال ابن عباس: يريد حيث جعلتك سيد ولد آدم، وختمت بك النبيين، وأعطيتك المقام المحمود.
ثم احتج على المشركين بإعجاز القرآن، فقال: ﴿قُلْ لَئِنِ اجْتَمَعَتِ الإِنْسُ وَالْجِنُّ عَلَى أَنْ يَأْتُوا بِمِثْلِ هَذَا الْقُرْءَانِ لا يَأْتُونَ بِمِثْلِهِ وَلَوْ كَانَ بَعْضُهُمْ لِبَعْضٍ ظَهِيرًا {٨٨﴾ وَلَقَدْ صَرَّفْنَا لِلنَّاسِ فِي هَذَا الْقُرْءَانِ مِنْ كُلِّ مَثَلٍ فَأَبَى أَكْثَرُ النَّاسِ إِلا كُفُورًا ﴿٨٩﴾ وَقَالُوا لَنْ نُؤْمِنَ لَكَ حَتَّى تَفْجُرَ لَنَا مِنَ الأَرْضِ يَنْبُوعًا ﴿٩٠﴾ أَوْ تَكُونَ لَكَ جَنَّةٌ مِنْ نَخِيلٍ وَعِنَبٍ فَتُفَجِّرَ الأَنْهَارَ


الصفحة التالية
Icon