الحزبين من المؤمنين والكافرين من قوم أصحاب الكهف أحصى عد مدة لبثهم، وعلم ذلك.
وكأنه وقع بينهم تنازع فِي مدة لبثهم فِي الكهف بعد خروجهم من بينهم، فبعثهم الله ليتبين ذلك ويظهر.
قوله: ﴿نَحْنُ نَقُصُّ عَلَيْكَ نَبَأَهُمْ بِالْحَقِّ إِنَّهُمْ فِتْيَةٌ آمَنُوا بِرَبِّهِمْ وَزِدْنَاهُمْ هُدًى {١٣﴾ وَرَبَطْنَا عَلَى قُلُوبِهِمْ إِذْ قَامُوا فَقَالُوا رَبُّنَا رَبُّ السَّمَوَاتِ وَالأَرْضِ لَنْ نَدْعُوَ مِنْ دُونِهِ إِلَهًا لَقَدْ قُلْنَا إِذًا شَطَطًا ﴿١٤﴾ هَؤُلاءِ قَوْمُنَا اتَّخَذُوا مِنْ دُونِهِ آلِهَةً لَوْلا يَأْتُونَ عَلَيْهِمْ بِسُلْطَانٍ بَيِّنٍ فَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنِ افْتَرَى عَلَى اللَّهِ كَذِبًا ﴿١٥﴾ وَإِذِ اعْتَزَلْتُمُوهُمْ وَمَا يَعْبُدُونَ إِلا اللَّهَ فَأْوُوا إِلَى الْكَهْفِ يَنْشُرْ لَكُمْ رَبُّكُمْ مِنْ رَحْمَتِهِ وَيُهَيِّئْ لَكُمْ مِنْ أَمْرِكُمْ مِرْفَقًا ﴿١٦﴾ وَتَرَى الشَّمْسَ إِذَا طَلَعَتْ تَزَاوَرُ عَنْ كَهْفِهِمْ ذَاتَ الْيَمِينِ وَإِذَا غَرَبَتْ تَقْرِضُهُمْ ذَاتَ الشِّمَالِ وَهُمْ فِي فَجْوَةٍ مِنْهُ ذَلِكَ مِنْ آيَاتِ اللَّهِ مَنْ يَهْدِ اللَّهُ فَهُوَ الْمُهْتَدِ وَمَنْ يُضْلِلْ فَلَنْ تَجِدَ لَهُ وَلِيًّا مُرْشِدًا ﴿١٧﴾ وَتَحْسَبُهُمْ أَيْقَاظًا وَهُمْ رُقُودٌ وَنُقَلِّبُهُمْ ذَاتَ الْيَمِينِ وَذَاتَ الشِّمَالِ وَكَلْبُهُمْ بَاسِطٌ ذِرَاعَيْهِ بِالْوَصِيدِ لَوِ اطَّلَعْتَ عَلَيْهِمْ لَوَلَّيْتَ مِنْهُمْ فِرَارًا وَلَمُلِئْتَ مِنْهُمْ رُعْبًا ﴿١٨﴾ } [الكهف: ١٣-١٨] ﴿نَحْنُ نَقُصُّ عَلَيْكَ نَبَأَهُمْ﴾ [الكهف: ١٣] خبر الفتية بالحق بالصدق، إنهم فتية أحداث وشباب، ﴿آمَنُوا بِرَبِّهِمْ وَزِدْنَاهُمْ هُدًى﴾ [الكهف: ١٣] ثبتناهم على الإيمان.
﴿وَرَبَطْنَا عَلَى قُلُوبِهِمْ﴾ [الكهف: ١٤] ألهمناهم الصبر، ﴿إِذْ قَامُوا﴾ [الكهف: ١٤] بين يدي ملكهم دقيانوس الجبار الذي كان يفتن أهل الإيمان عن دينهم، فربط الله على قلوبهم بالصبر واليقين حين قالوا بين يديه: ﴿رَبُّنَا رَبُّ السَّمَوَاتِ وَالأَرْضِ﴾ [الكهف: ١٤] الآية.
وذلك أنه كان يدعو الناس إلى عبادة الأصنام، والذبح للطواغيت، فثبت الله هؤلاء الفتية، وعصمهم حتى عصوا ذلك الجبار، وأقروا بربوبية الله تعالى وحده، وأنهم إن دعوا غيره وعبدوه كان ذلك شططا، وهو قوله: ﴿لَنْ نَدْعُوَ مِنْ دُونِهِ إِلَهًا لَقَدْ قُلْنَا إِذًا شَطَطًا﴾ [الكهف: ١٤] كذبا وجورا، وأصل الشطط مجاوزة القدر.
﴿هَؤُلاءِ قَوْمُنَا﴾ [الكهف: ١٥] هذا من قول الفتية، يعنون الذين كانوا فِي زمان دقيانوس، ﴿اتَّخَذُوا مِنْ دُونِهِ آلِهَةً﴾ [الكهف: ١٥] عبدوا الأصنام لولا هلا، ﴿يَأْتُونَ عَلَيْهِمْ﴾ [الكهف: ١٥] على عبادتهم، ﴿بِسُلْطَانٍ بَيِّنٍ﴾ [الكهف: ١٥] بحجة بينه ﴿فَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنِ افْتَرَى عَلَى اللَّهِ كَذِبًا﴾ [الكهف: ١٥] فزعم أن له شريك فِي العبادة.
قوله: ﴿وَإِذِ اعْتَزَلْتُمُوهُمْ﴾ [الكهف: ١٦] قال ابن عباس رضي الله عنه: هذا من قول يمليخا، وهو رئيس أصحاب الكهف.
قال لهم: ﴿وَإِذِ اعْتَزَلْتُمُوهُمْ﴾ [الكهف: ١٦] أي: فارقتموهم، وتنحيتم عنهم جانبا، يعني عبدة الأصنام، وما يعبدون أي: اعتزلتم ما يعبدون، إلا الله فإنكم لن تتركوا عبادته، وذلك أنهم كانوا يشركون بالله، فقال: اعتزلتم الأصنام، ولم تعتزلوا الله ولا عبادته.
﴿فَأْوُوا إِلَى الْكَهْفِ﴾ [الكهف: ١٦] صيروا إليه، واجعلوه مأواكم، ﴿يَنْشُرْ لَكُمْ رَبُّكُمْ مِنْ رَحْمَتِهِ﴾ [الكهف: ١٦] يبسطها عليكم، ﴿وَيُهَيِّئْ لَكُمْ مِنْ أَمْرِكُمْ مِرْفَقًا﴾ [الكهف: ١٦] قال ابن عباس: يسهل عليكم ما تخافون من الملك وظلمه، ويأتكم باليسر وبالرفق واللطف.
وكل ما ارتفقت به فهو مرفق، ويقال فِيهِ أيضا: مرفق بفتح الميم وكسر الفاء، كقراءة أهل المدينة، وهما لغتان في مرفق اليد والأمر، قال الفراء: وأكثر العرب على كسر الميم من الأمر، ومن مرفق الإنسان، وقد تفتح العرب أيضا الميم فِيهمَا لغتان، وكأن الذين فتحوا الميم أرادوا أن يفرقوا بين