وَلَبِثُوا فِي كَهْفِهِمْ ثَلاثَ مِائَةٍ سِنِينَ وَازْدَادُوا تِسْعًا ﴿٢٥﴾ قُلِ اللَّهُ أَعْلَمُ بِمَا لَبِثُوا لَهُ غَيْبُ السَّمَوَاتِ وَالأَرْضِ أَبْصِرْ بِهِ وَأَسْمِعْ مَا لَهُمْ مِنْ دُونِهِ مِنْ وَلِيٍّ وَلا يُشْرِكُ فِي حُكْمِهِ أَحَدًا ﴿٢٦﴾ وَاتْلُ مَا أُوحِيَ إِلَيْكَ مِنْ كِتَابِ رَبِّكَ لا مُبَدِّلَ لِكَلِمَاتِهِ وَلَنْ تَجِدَ مِنْ دُونِهِ مُلْتَحَدًا ﴿٢٧﴾ } [الكهف: ٢٥-٢٧] ﴿وَلَبِثُوا فِي كَهْفِهِمْ﴾ [الكهف: ٢٥] يعني من يوم دخلوا الكهف إلى أن بعثهم الله تعالى، وأطلع عليهم الخلق، ﴿ثَلاثَ مِائَةٍ سِنِينَ﴾ [الكهف: ٢٥] قال الفراء، والزجاج، وأبو عبيدة، والكسائي: التقدير سنين ثلاث مائة.
وقال أبو علي الفارسي: سنين، بدل من قوله: ﴿ثَلاثَ مِائَةٍ﴾ [الكهف: ٢٥] كما تقول: أعطيته ألفا دراهم، ومائة أثوابا.
وقرأ حمزة ثلاث مائة سنين مضافة غير منونة، وهذه قراءة غير جيدة.
قال الأخفش: ولا يحسن إضافة المائة إلى السنين، ولا تكاد العرب تقول: مائة سنين.
قال الفراء: ومن العرب من يضع سنين فِي موضع سنة.
وقوله: ﴿وَازْدَادُوا تِسْعًا﴾ [الكهف: ٢٥] يعني تسع سنين، فاستغني عن ذكر السنين بما تقدم من ذكرها.
ثم أخبر أنه أعلم بقدر مدة لبثهم من أهل الكتاب المختلفين فِيها، فقال: ﴿قُلِ اللَّهُ أَعْلَمُ بِمَا لَبِثُوا﴾ [الكهف: ٢٦] وقال الكلبي: قالت نصارى نجران: أما الثلاث مائة فقد عرفناها، وأما التسع فلا علم لنا بها.
فنزلت ﴿قُلِ اللَّهُ أَعْلَمُ بِمَا لَبِثُوا لَهُ غَيْبُ السَّمَوَاتِ وَالأَرْضِ﴾ [الكهف: ٢٦] أي: علم ما غاب فيهما عن العباد، ﴿أَبْصِرْ بِهِ وَأَسْمِعْ﴾ [الكهف: ٢٦] هذا لفظ التعجب، كقولك: ما أبصره وأسمعه! والمعنى: ما أبصر الله بكل موجود! وأسمعه لكل مسموع! وقوله: ﴿مَا لَهُمْ مِنْ دُونِهِ مِنْ وَلِيٍّ﴾ [الكهف: ٢٦] ليس لأهل السموات والأرض من دون الله من ناصر، ولا يشرك الله، ﴿فِي حُكْمِهِ أَحَدًا﴾ [الكهف: ٢٦] فلا يجوز أن يحكم حاكم بغير ما حكم الله به، وليس لأحد أن يحكم من ذات نفسه، فيكون شريكا لله فِي حكمه، وقرأ ابن عامر ولا تشرك على معنى ولا تشرك أنت أيها الإنسان فِي حكمه أحدا، على النهي عن الإشراك فِي حكمه.
﴿وَاتْلُ مَا أُوحِيَ إِلَيْكَ مِنْ كِتَابِ رَبِّكَ﴾ [الكهف: ٢٧] معناه: اتبع القرآن، واعمل به، ﴿لا مُبَدِّلَ لِكَلِمَاتِهِ﴾ [الكهف: ٢٧] قال ابن عباس: لمواعيده.
وقال الزجاج: أي ما أخبر الله به، وما أمر به، فلا مبدل له.
وعلى هذا يكون التقدير: لا مبدل لحكم كلماته، ﴿وَلَنْ تَجِدَ مِنْ دُونِهِ مُلْتَحَدًا﴾ [الكهف: ٢٧] قال مجاهد، والفراء: ملجأ.
وقال الزجاج: لن تجد معدلا عن أمره ونهيه.
﴿وَاصْبِرْ نَفْسَكَ مَعَ الَّذِينَ يَدْعُونَ رَبَّهُمْ بِالْغَدَاةِ وَالْعَشِيِّ يُرِيدُونَ وَجْهَهُ وَلا تَعْدُ عَيْنَاكَ عَنْهُمْ تُرِيدُ زِينَةَ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَلا تُطِعْ مَنْ أَغْفَلْنَا قَلْبَهُ عَنْ ذِكْرِنَا وَاتَّبَعَ هَوَاهُ وَكَانَ أَمْرُهُ فُرُطًا {٢٨﴾ وَقُلِ الْحَقُّ مِنْ رَبِّكُمْ فَمَنْ شَاءَ فَلْيُؤْمِنْ وَمَنْ شَاءَ فَلْيَكْفُرْ إِنَّا أَعْتَدْنَا لِلظَّالِمِينَ نَارًا أَحَاطَ بِهِمْ سُرَادِقُهَا وَإِنْ يَسْتَغِيثُوا يُغَاثُوا بِمَاءٍ