منها.
﴿وَهُوَ ظَالِمٌ لِنَفْسِهِ﴾ [الكهف: ٣٥] بالكفر بالله، ﴿قَالَ مَا أَظُنُّ أَنْ تَبِيدَ هَذِهِ أَبَدًا﴾ [الكهف: ٣٥] أنكر فناء الدنيا، وفناء جنته.
وأنكر البعث، والثواب والعقاب، بقوله: ﴿وَمَا أَظُنُّ السَّاعَةَ قَائِمَةً﴾ [الكهف: ٣٦] قال الزجاج: أخبر أخاه بكفره بفناء الدنيا، وقيام الساعة، ﴿وَلَئِنْ رُدِدْتُ إِلَى رَبِّي﴾ [الكهف: ٣٦] الآية، قال ابن عباس: يريد إن كان البعث حقا.
﴿لأَجِدَنَّ خَيْرًا مِنْهَا مُنْقَلَبًا﴾ [الكهف: ٣٦] أي: كما أعطاني هذه فِي الدنيا، سيعطيني فِي الآخرة أفضل منه، لكرامتي عليه، ومن قرأ منهما رد الكناية إلى الجنتين اللتين تقدم ذكرهما.
فأجابه صاحبه مكفرا له بمال قال ﴿أَكَفَرْتَ بِالَّذِي خَلَقَكَ مِنْ تُرَابٍ﴾ [الكهف: ٣٧] يعني أصل الخلقة، ﴿ثُمَّ مِنْ نُطْفَةٍ ثُمَّ سَوَّاكَ رَجُلا﴾ [الكهف: ٣٧] أكملك وجعلك معتدل الخلق والقامة.
ثم أعلمه أنه موحد، فقال: ﴿لَكِنَّا هُوَ اللَّهُ رَبِّي﴾ [الكهف: ٣٨] وأصله لكن أنا، فخففت الهمزة، وألقيت حركتها على النون الساكنة قبلها، فصار لكن، فأدغموا النون الأولى فِي الثانية، فصار لكن، ومن قرأ لكنا بإثبات ألف أنا، فإنه أثبت الألف فِي الوصل، كما ثبت فِي الوقف على لغة من يقول: أنا قمت، وهو غير مختار فِي القراءة.
ثم أقبل على أخيه يلومه، قال: ﴿وَلَوْلا إِذْ دَخَلْتَ جَنَّتَكَ﴾ [الكهف: ٣٩] بمعنى هلا، وتأويله التوبيخ، ﴿قُلْتَ مَا شَاءَ اللَّهُ﴾ [الكهف: ٣٩] قال الفراء، والزجاج: ما فِي موضع رفع على معنى الأمر ﴿مَا شَاءَ اللَّهُ﴾ [الكهف: ٣٩].
أي: هلا قلت حين دخلتها: الأمر بمشيئة الله، وما شاء الله كان، يعني إن شاء إخراب هذه الجنة وإهلاكها، كان ذلك بمشيئته، ﴿لا قُوَّةَ إِلا بِاللَّهِ﴾ [الكهف: ٣٩] قال الزجاج: لا يقوى أحد على ما فِي يديه من ملك ونعمة إلا بالله تعالى، ولا يكون له إلا ما شاء الله.
ثم رجع إلى نفسه، فقال: ﴿إِنْ تَرَنِ أَنَا أَقَلَّ مِنْكَ مَالا وَوَلَدًا﴾ [الكهف: ٣٩] أَنَا عماد، وأقل مفعول ثان لترى.
﴿فَعَسَى رَبِّي أَنْ يُؤْتِيَنِ﴾ [الكهف: ٤٠] قال ابن عباس: فِي الآخرة.
﴿خَيْرًا مِنْ جَنَّتِكَ وَيُرْسِلَ عَلَيْهَا حُسْبَانًا مِنَ السَّمَاءِ﴾ [الكهف: ٤٠] الحسبان المرامي يرمى بها، قال النضر بن شميل: الحسبان سهام يرمي بها الرجل فِي جوف قصبة، ينزع فِي القوس، ثم يرمي بعشرين منها دفعة.
والمعنى: يرسل عليها مرامي من عذابه، إما بردا، وإما حجارة، أو غيرهما مما يشاء من أنواع العذاب، ﴿فَتُصْبِحَ صَعِيدًا زَلَقًا﴾ [الكهف: ٤٠] أرضا لا نبات فِيها، والزلق المكان المزلقة، والمعنى أنها تصير جرداء لا نبات فِيها.
﴿أَوْ يُصْبِحَ مَاؤُهَا﴾ [الكهف: ٤١] يعني: النهر الذي فِي خلالها، غورا غائرا ذاهبا فِي الأرض، ﴿فَلَنْ تَسْتَطِيعَ لَهُ طَلَبًا﴾ [الكهف: ٤١] لا يبقى له أثر بطلبه به.
﴿وَأُحِيطَ بِثَمَرِهِ﴾ [الكهف: ٤٢] يعني أهلك، وأحيط العذاب بأشجاره ونخيله، فأصبح الكافر، ﴿يُقَلِّبُ كَفَّيْهِ﴾ [الكهف: ٤٢] قال ابن عباس: يضرب يديه واحدة على الأخرى.
وتقليب الكفين يفعله النادم كثيرا، فصار عبارة عن الندم، ﴿عَلَى مَا أَنْفَقَ فِيهَا﴾ [الكهف: ٤٢] فِي جنته، ﴿وَهِيَ خَاوِيَةٌ﴾ [الكهف: ٤٢] ساقطة، ﴿عَلَى عُرُوشِهَا﴾ [الكهف: ٤٢] سقوفها، وما عرش بكرومها، ﴿وَيَقُولُ يَا لَيْتَنِي لَمْ أُشْرِكْ بِرَبِّي أَحَدًا﴾ [الكهف: ٤٢] أخبر الله أنه سلبه ما أنعم عليه فِي الدنيا، فندم حين لم تنفعه الندامة، وتمنى أنه كان موحدا غير مشرك.
قوله: ﴿وَلَمْ تَكُنْ لَهُ فِئَةٌ يَنْصُرُونَهُ مِنْ دُونِ اللَّهِ﴾ [الكهف: ٤٣] قال ابن عباس: لم ينصره النصر الذين افتخر بهم فِي قوله: ﴿وَأَعَزُّ نَفَرًا﴾ [الكهف: ٣٤].
﴿وَمَا كَانَ مُنْتَصِرًا﴾ [الكهف: ٤٣] بأن يسترد بدل ما ذهب منه،