لأنه إذا صلى فِي مكان اخضر ما حوله، ﴿آتَيْنَاهُ رَحْمَةً مِنْ عِنْدِنَا﴾ [الكهف: ٦٥] يعني نبوة، ﴿وَعَلَّمْنَاهُ مِنْ لَدُنَّا عِلْمًا﴾ [الكهف: ٦٥] قال ابن عباس رضي الله عنهما: أعطيناه علما من علم الغيب.
فقال: ﴿لَهُ مُوسَى هَلْ أَتَّبِعُكَ عَلَى أَنْ تُعَلِّمَنِ مِمَّا عُلِّمْتَ رُشْدًا﴾ [الكهف: ٦٦] أي: علما ذا رشد، والرشد والرشد لغتان كالنخل والنخل، قال قتادة: لو كان أحد مكتفيا من العلم لاكتفى نجي الله موسى، ولكنه قال: ﴿هَلْ أَتَّبِعُكَ﴾ [الكهف: ٦٦] الآية.
وقال الزجاج: وفيما فعل موسى، وهو من جلة الأنبياء من طلب العلم، والرحلة فِي ذلك، ما يدل على أنه لا ينبغي لأحد أن يترك طلب العلم، وإن كان قد بلغ نهايته، وأن يتواضع لمن هو أعلم منه.
فقال له الخضر: ﴿إِنَّكَ لَنْ تَسْتَطِيعَ مَعِيَ صَبْرًا﴾ [الكهف: ٦٧] قال ابن عباس: لن تصبر على صنيعي، لأني علمت غيب علم ربي.
ثم أعلمه العلة فِي ترك الصبر فقال: ﴿وَكَيْفَ تَصْبِرُ عَلَى مَا لَمْ تُحِطْ بِهِ خُبْرًا﴾ [الكهف: ٦٨] أي: لم تعلمه، والخبر علمك بالشيء، يقول: كيف تصبر على أمر ظاهره منكر، وأنت لا تعلم باطنه؟ قال له موسى: ﴿سَتَجِدُنِي إِنْ شَاءَ اللَّهُ صَابِرًا﴾ [الكهف: ٦٩] أصبر على ما أرى منك، ﴿وَلا أَعْصِي لَكَ أَمْرًا﴾ [الكهف: ٦٩] لا أخالفك فِي شيء.
قال له الخضر: ﴿فَإِنِ اتَّبَعْتَنِي﴾ [الكهف: ٧٠] أي: صحبتني، ﴿فَلا تَسْأَلْنِي عَنْ شَيْءٍ﴾ [الكهف: ٧٠] مما أفعل مما تنكره، ﴿حَتَّى أُحْدِثَ لَكَ مِنْهُ ذِكْرًا﴾ [الكهف: ٧٠] حتى أكون أنا الذي أفسره لك، لأنه قد غاب علمه عنك.
فانطلقا يمشيان على ساحل البحر، فمرت بهم سفينة، فكلموهم أن يحملوهم، فحملوهما بغير أجرة، فذلك قوله: ﴿فَانْطَلَقَا حَتَّى إِذَا رَكِبَا فِي السَّفِينَةِ خَرَقَهَا قَالَ أَخَرَقْتَهَا لِتُغْرِقَ أَهْلَهَا لَقَدْ جِئْتَ شَيْئًا إِمْرًا {٧١﴾ قَالَ أَلَمْ أَقُلْ إِنَّكَ لَنْ تَسْتَطِيعَ مَعِيَ صَبْرًا ﴿٧٢﴾ قَالَ لا تُؤَاخِذْنِي بِمَا نَسِيتُ وَلا تُرْهِقْنِي مِنْ أَمْرِي عُسْرًا ﴿٧٣﴾ } [الكهف: ٧١-٧٣] ﴿فَانْطَلَقَا حَتَّى إِذَا رَكِبَا فِي السَّفِينَةِ خَرَقَهَا﴾ [الكهف: ٧١] أي: شقها، قيل: إنه قلع لوحين مما يلي الماء، فحشاها موسى بثوبه، وقال منكرا عليه: ﴿أَخَرَقْتَهَا لِتُغْرِقَ أَهْلَهَا لَقَدْ جِئْتَ شَيْئًا إِمْرًا﴾ [الكهف: ٧١] منكرا عظيما، ويقال: أمر الأمر إذا كبر إمرا، والإمر: الاسم منه.
فقال له الخضر: {أَلَمْ أَقُلْ إِنَّكَ لَنْ تَسْتَطِيعَ مَعِيَ صَبْرًا ﴿٧٢﴾ قَالَ} [الكهف: ٧٢-٧٣] موسى: ﴿لا تُؤَاخِذْنِي بِمَا نَسِيتُ﴾ [الكهف: ٧٣] أي: عقلت عن التسليم لك، وترك الإنكار عليك، ونسيت ذلك.
وقال الكلبي: يقول: بما تركت من وصيتك، وعلى هذا القول النسيان بمعنى الترك لا بمعنى الغفلة.
﴿وَلا تُرْهِقْنِي مِنْ أَمْرِي عُسْرًا﴾ [الكهف: ٧٣] لا تكلفني مشقة، قال أبو زيد: أرهقته عسرا إذا كلفته ذلك.
والمعنى: عاملني باليسر لا بالعسر، ولا تضيق علي الأمر فِي صحبتي إياك.
قوله: ﴿فَانْطَلَقَا حَتَّى إِذَا لَقِيَا غُلامًا فَقَتَلَهُ قَالَ أَقَتَلْتَ نَفْسًا زَكِيَّةً بِغَيْرِ نَفْسٍ لَقَدْ جِئْتَ شَيْئًا نُكْرًا {٧٤﴾ قَالَ أَلَمْ أَقُلْ لَكَ إِنَّكَ لَنْ تَسْتَطِيعَ مَعِيَ صَبْرًا ﴿٧٥﴾ قَالَ إِنْ سَأَلْتُكَ عَنْ شَيْءٍ بَعْدَهَا فَلا تُصَاحِبْنِي قَدْ بَلَغْتَ مِنْ لَدُنِّي عُذْرًا ﴿٧٦﴾ } [الكهف: ٧٤-٧٦] ﴿فَانْطَلَقَا حَتَّى إِذَا لَقِيَا غُلامًا فَقَتَلَهُ﴾ [الكهف: ٧٤] روي فِي حديث أبي بن كعب، أنهما خرجا، حتى لقيا غلاما يلعب مع