﴿قُلْ هَلْ نُنَبِّئُكُمْ بِالأَخْسَرِينَ أَعْمَالا {١٠٣﴾ الَّذِينَ ضَلَّ سَعْيُهُمْ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَهُمْ يَحْسَبُونَ أَنَّهُمْ يُحْسِنُونَ صُنْعًا ﴿١٠٤﴾ أُولَئِكَ الَّذِينَ كَفَرُوا بِآيَاتِ رَبِّهِمْ وَلِقَائِهِ فَحَبِطَتْ أَعْمَالُهُمْ فَلا نُقِيمُ لَهُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَزْنًا ﴿١٠٥﴾ ذَلِكَ جَزَاؤُهُمْ جَهَنَّمُ بِمَا كَفَرُوا وَاتَّخَذُوا آيَاتِي وَرُسُلِي هُزُوًا ﴿١٠٦﴾ إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ كَانَتْ لَهُمْ جَنَّاتُ الْفِرْدَوْسِ نُزُلا ﴿١٠٧﴾ خَالِدِينَ فِيهَا لا يَبْغُونَ عَنْهَا حِوَلا ﴿١٠٨﴾ } [الكهف: ١٠٣-١٠٨] قوله: ﴿قُلْ هَلْ نُنَبِّئُكُمْ بِالأَخْسَرِينَ أَعْمَالا﴾ [الكهف: ١٠٣] يعني بالقوم الذين هم أخسر الخلق فيما عملوا، وهم كفار أهل الكتاب: اليهود والنصارى.
﴿الَّذِينَ ضَلَّ سَعْيُهُمْ﴾ [الكهف: ١٠٤] بطل عملهم واجتهادهم فِي الدنيا، ﴿وَهُمْ يَحْسَبُونَ أَنَّهُمْ يُحْسِنُونَ صُنْعًا﴾ [الكهف: ١٠٤] يظنون أنهم بفعلهم محسنون.
﴿أُولَئِكَ الَّذِينَ كَفَرُوا بِآيَاتِ رَبِّهِمْ﴾ [الكهف: ١٠٥] جحدوا دلائل توحيده وقدرته، ﴿وَلِقَائِهِ﴾ [الكهف: ١٠٥] وكفروا بالبعث والثواب والعقاب، وذلك أنهم بكفرهم بالنبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وبالقرآن، صاروا كافرين بهذه الأشياء، وقوله: ﴿فَحَبِطَتْ أَعْمَالُهُمْ﴾ [الكهف: ١٠٥] أي: بطل اجتهادهم، ﴿فَلا نُقِيمُ لَهُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَزْنًا﴾ [الكهف: ١٠٥] قال ابن الأعرابي فِي هذه الآية: العرب تقول: ما لفلان وزن عندنا، أي: قدر لخسته، ويوصف الجاهل بأنه لا وزن له، لخفته، وسرعة طيشه، وقلة تثبته.
والمعنى على هذا أنهم لا يعتد بهم ولا يكون لهم عند الله تعالى قدر ولا منزلة.
٥٧٨ - أَخْبَرَنَا سَعِيدُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ أَحْمَد بْنِ جَعْفَرٍ، أنا جَدِّي، أنا أَبُو عَمْرٍو أَحْمَدُ بْنُ مُحَمَّدٍ الْحَرَشِيُّ، نا مُحَمَّدُ بْنُ يَحْيَى، أنا يَحْيَى بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ بُكَيْرٍ، نا الْمُغِيرَةُ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ، عَنْ أَبِي الزِّنَادِ، عَنِ الأَعْرَجِ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، عَنْ رَسُولِ اللَّهِ، صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قَالَ: " إِنَّهُ لَيَأْتِي الرَّجُلُ الْعَظِيمُ السَّمِينُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ، لا يَزِنُ عِنْدَ اللَّهِ جَنَاحَ بَعُوضَةٍ، رَوَاهُ مُسْلِمٌ، عَنْ أَبِي بَكْرِ بْنِ إِسْحَاقَ، عَنْ يَحْيَى بْنِ بُكَيْرٍ، وَرَوَاهُ الْبُخَارِيُّ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ أَبِي مَرْيَمَ كِلاهُمَا عَنِ الْمُغِيرَةِ بْنِ شُعْبَةَ
٥٧٩ - أَخْبَرَنَا أَحْمَدُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ أَحْمَدَ التَّمِيمِيُّ، أنا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ حَيَّانَ، نا إِسْحَاقُ بْنُ أَحْمَدَ الْفَارِسِيُّ، نا أَبُو زُرْعَةَ، نا أَبُو الْوَلِيدِ، أنا ابْنُ أَبِي الزِّنَادِ، عَنْ صَالِحٍ، مَوْلَى التَّوْءَمَةِ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ، صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: يُؤْتَى بِالرَّجُلِ الطَّوِيلِ الأَكُولِ الشَّرُوبِ فَلا يَزِنُ جَنَاحَ بَعُوضَةٍ اقْرَأُوا إِنْ شِئْتُمْ: ﴿فَلا نُقِيمُ لَهُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَزْنًا﴾ [الكهف: ١٠٥]
".
وقوله: ذَلِكَ أي: الأمر ذلك الذي ذكرت من حبوط أعمالهم، وخسة قدرهم، ثم ابتدأ فقال: ﴿جَزَاؤُهُمْ جَهَنَّمُ بِمَا كَفَرُوا﴾ [الكهف: ١٠٦] أي: بكفرهم واتخاذهم، آيَاتِي يعني القرآن، ﴿هُزُوًا﴾ [الكهف: ١٠٦] مهزوا به.
﴿إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ كَانَتْ لَهُمْ جَنَّاتُ الْفِرْدَوْسِ نُزُلا﴾ [الكهف: ١٠٧] أي منزلا، ويجوز أن يراد بالنزل ما يقام للنازل، ويقدر المضاف على معنى كانت لهم ثمار جنات الفردوس، أو نعيمهما نزلا، ومعنى كانت لهم قال ابن الأنباري: أي فِي علم الله تعالى قبل أن يخلقوا.
والفردوس فِي اللغة جنة ذات


الصفحة التالية
Icon