كأنه في المعنى، قال: أفمن هو قائم على كل نفس بما كسبت كشركائهم الذين اتخذوهم.
قل سموهم بما يسحقون من الصفات وإضافة الأفعال إليهم إن كانوا شركاء لله، كما يوصف الله بالخالق، والرازق، والمحيي، والمميت، والمعنى يعود إلى أن الصنم لو كان إلها لتصور منه أن يخلق ويرزق، ولحسن حينئذ أن يسمى بالخالق والرزاق.
قوله: ﴿أَمْ تُنَبِّئُونَهُ بِمَا لا يَعْلَمُ فِي الأَرْضِ﴾ [الرعد: ٣٣] هذا استفهام منقطع مما قبله، وتأويل الآية: فإن سموهم بصفات الله، قل: أتنبئونه بما لا يعلم في الأرض، أتخبرون الله بشريك له في الأرض وهو لا يعلمه؟ على معنى: أنه ليس، ولو كان لعلم، ﴿أَمْ بِظَاهِرٍ مِنَ الْقَوْلِ﴾ [الرعد: ٣٣] يعني: أم يقولون مجازا من القول وباطلا لا حقيقة له، أي: إنه كلام ظاهر، وليس له في الحقيقة باطن ومعنى، فهو كلام باللسان، بل دع ذكر ما كنا فيه، ﴿زُيِّنَ لِلَّذِينَ كَفَرُوا مَكْرُهُمْ﴾ [الرعد: ٣٣] قال ابن عباس: زين الشيطان لهم الكفر، وذلك أن مكرهم بالرسول صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كفر منهم، ﴿وَصُدُّوا عَنِ السَّبِيلِ﴾ [الرعد: ٣٣] قال ابن عباس: وصدهم الله عن سبيل الهدى.
وضم الصاد قراءة أهل الكوفة، ومن قرأ بفتح الصاد فالمعنى: أنهم صدوا غيرهم عن الإيمان.
﴿وَمَنْ يُضْلِلِ اللَّهُ فَمَا لَهُ مِنْ هَادٍ﴾ [الرعد: ٣٣] يهديه إلى الخير والإيمان، ﴿لَهُمْ عَذَابٌ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا﴾ [الرعد: ٣٤] يعني الأسقام والقتل والأسر، هي لهم في الدنيا عذاب، وللمؤمن كفارة، ﴿وَلَعَذَابُ الآخِرَةِ أَشَقُّ﴾ [الرعد: ٣٤] أشد وأغلظ، ﴿وَمَا لَهُمْ مِنَ اللَّهِ﴾ [الرعد: ٣٤] من عذاب الله، من واق مانع يمنعهم.
قوله: ﴿مَثَلُ الْجَنَّةِ الَّتِي وُعِدَ الْمُتَّقُونَ﴾ [الرعد: ٣٥] أي: صفتها، قال ابن قتيبة: المثل الشبه في أصل اللغة، ثم قد يصير المعنى صورة الشيء وصفته، يقال: مثلت لك كذا، أي: صورته ووصفه.
أراد الله بقوله: مثل الجنة أي: صورتها وصفتها، ثم ذكرها، فقال: ﴿تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الأَنْهَارُ أُكُلُهَا دَائِمٌ﴾ [الرعد: ٣٥] قال الحسن: يريد أن ثمارها لا تنقطع كثمار الدنيا، وظلها لأنه لا يزول، ولا تنسخه الشمس، ﴿تِلْكَ عُقْبَى الَّذِينَ اتَّقَوْا﴾ [الرعد: ٣٥] أي: عاقبة أمرهم المصير إليها، وعاقبة الكافرين المصير إلى النار.
قوله: ﴿وَالَّذِينَ آتَيْنَاهُمُ الْكِتَابَ يَفْرَحُونَ بِمَا أُنْزِلَ إِلَيْكَ وَمِنَ الأَحْزَابِ مَنْ يُنْكِرُ بَعْضَهُ قُلْ إِنَّمَا أُمِرْتُ أَنْ أَعْبُدَ اللَّهَ وَلا أُشْرِكَ بِهِ إِلَيْهِ أَدْعُو وَإِلَيْهِ مَآبِ {٣٦﴾ وَكَذَلِكَ أَنْزَلْنَاهُ حُكْمًا عَرَبِيًّا وَلَئِنِ اتَّبَعْتَ أَهْوَاءَهُمْ بَعْدَ مَا جَاءَكَ مِنَ الْعِلْمِ مَا لَكَ مِنَ اللَّهِ مِنْ وَلِيٍّ وَلا وَاقٍ ﴿٣٧﴾ } [الرعد: ٣٦-٣٧].
﴿وَالَّذِينَ آتَيْنَاهُمُ الْكِتَابَ يَفْرَحُونَ بِمَا أُنْزِلَ إِلَيْكَ﴾ [الرعد: ٣٦] قال المفسرون: إن عبد الله بن سلام والذين آمنوا معه من أهل الكتاب، ساءهم قلة ذكر الرحمن في القرآن، مع كثرة ذكره في التوراة، فأنزل الله تعالى: ﴿قُلِ ادْعُوا اللَّهَ أَوِ ادْعُوا الرَّحْمَنَ﴾ [الإسراء: ١١٠] ففرح بذلك مؤمنو أهل الكتاب، وكفر المشركون بالرحمن، وقالوا: ما نعرف الرحمن إلا رحمن اليمامة، فأنزل الله تعالى هذه الآية.
وقوله: ﴿وَمِنَ الأَحْزَابِ مَنْ يُنْكِرُ بَعْضَهُ﴾ [الرعد: ٣٦] يعني الكفار الذين تحزبوا على رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بالمعاداة، ﴿مَنْ يُنْكِرُ بَعْضَهُ﴾ [الرعد: ٣٦] يعني ذكر الرحمن، وهذا