يكون من فِي معنى الشرط والجزاء.
المعنى: من يكن فِي المهد صبيا، فكيف نكلمه.
واختاره ابن الأنباري، وقال: هذا كما تقول: كيف أعظ من كان لا يقبل موعظتي؟ معناه: من يكن لا يقبل، والماضي يكون بمعنى المستقبل فِي باب الجزاء.
قال السدي: فلما سمع عيسى كلامهم، لم يزد على أن ترك الرضاع، وأقبل عليهم بوجهه، و ﴿قَالَ إِنِّي عَبْدُ اللَّهِ﴾ [مريم: ٣٠] قال ابن عباس: أقر بالعبودية على نفسه، وبربوبية الله أول ما تكلم.
﴿آتَانِيَ الْكِتَابَ وَجَعَلَنِي نَبِيًّا﴾ [مريم: ٣٠] أي: حكم لي بإيتاء الكتب، والنبوة فيما قضى، وهذا إخبار عما سبق له مما هو كائن.
قوله: ﴿وَجَعَلَنِي مُبَارَكًا أَيْنَ مَا كُنْتُ﴾ [مريم: ٣١] روى أبو هريرة، عن النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي قوله: ﴿وَجَعَلَنِي مُبَارَكًا أَيْنَ مَا كُنْتُ﴾ [مريم: ٣١] قال: «نفاعا حيث ما توجهت».
وقال مجاهد: معلما للخير.
وقال عطاء: لأني أدعو إلى الله، وإلى توحيده وعبادته.
﴿وَأَوْصَانِي بِالصَّلاةِ﴾ [مريم: ٣١] أمرني بإقامتها، والزكاة يعني: زكاة الأموال.
﴿وَبَرًّا بِوَالِدَتِي﴾ [مريم: ٣٢] قال ابن عباس: لما قال: بوالدتي، ولم يقل: بوالدي، علموا أنه نبي من الله.
﴿وَلَمْ يَجْعَلْنِي جَبَّارًا﴾ [مريم: ٣٢] متعظما يقتل ويضرب على الغضب، شقيا عاصيا لربه.
﴿وَالسَّلامُ عَلَيَّ﴾ [مريم: ٣٣] قال المفسرون: السلامة عليَّ من الله، ﴿يَوْمَ وُلِدْتُ﴾ [مريم: ٣٣] حتى لم يضرني شيطان، والآية مفسرة فِي هذه ال ﴿ [، قالوا لما كلمهم عيسى بهذا، علموا براءة مريم، ثم سكت عيسى فلم يتكلم بعد ذلك حتى بلغ المدة التي يتكلم فِيها الصبيان.
] ذَلِكَ عِيسَى ابْنُ مَرْيَمَ قَوْلَ الْحَقِّ الَّذِي فِيهِ يَمْتَرُونَ {٣٤﴾
مَا كَانَ لِلَّهِ أَنْ يَتَّخِذَ مِنْ وَلَدٍ سُبْحَانَهُ إِذَا قَضَى أَمْرًا فَإِنَّمَا يَقُولُ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ ﴿٣٥﴾ وَإِنَّ اللَّهَ رَبِّي وَرَبُّكُمْ فَاعْبُدُوهُ هَذَا صِرَاطٌ مُسْتَقِيمٌ ﴿٣٦﴾ فَاخْتَلَفَ الأَحْزَابُ مِنْ بَيْنِهِمْ فَوَيْلٌ لِلَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ مَشْهَدِ يَوْمٍ عَظِيمٍ ﴿٣٧﴾ } [سورة مريم: ٣٤-٣٧] قوله: ﴿ذَلِكَ عِيسَى ابْنُ مَرْيَمَ﴾ [مريم: ٣٤] قال الزجاج: ذلك الذي قال: ﴿إِنِّي عَبْدُ اللَّهِ﴾ [مريم: ٣٠] عيسى ابن مريم، لا ما يقوله النصارى من أنه ابن الله، وأنه إله.
﴿قَوْلَ الْحَقِّ﴾ [مريم: ٣٤] أي: القول الحق، فأضيف القول إلى الحق، كما قيل حق اليقين، ووعد الصدق، والمعنى: هذا الكلام قول الحق، يعني: ما ذكر من صنعته وأنه ابن مريم قول الحق، من نصب قول الحق فهو نصب على المصدر، أي: قال قول الحق.
﴿الَّذِي فِيهِ يَمْتَرُونَ﴾ [مريم: ٣٤] الذي من نقب عيسى، ويمترون يشكون ويختلفون، فيقول قائل: هو ابن الله.
ويقول آخر: هو الله.
ثم نفى عن نفسه اتخاذ الولد، فقال: ﴿مَا كَانَ لِلَّهِ أَنْ يَتَّخِذَ مِنْ وَلَدٍ﴾ [مريم: ٣٥] قال ابن الأنباري: ما كان ينبغي لله أن يتخذ من ولد.
أي: ما يصلح له ولا يستقيم، فنابت اللام عن الفعل، وذلك أن الولد مجانس للوالد، وكذلك من اتخذ ولدا بما يتخذه من جنسه، والله تعالى ليس كمثله شيء فلا يكون له ولد، ولا يتخذ ولدا، قال الزجاج: من فِي قوله: من ولد مؤكدة تدل على نفس الواحد والجماعة، فلا يجوز أن يتخذ ولدا واحدا، ولا أكثر.
ثم نزه نفسه عن مقالتهم بقوله: سبحانه ثم بين السبب فِي كون عيسى من غير أب، فقال: ﴿إِذَا قَضَى أَمْرًا﴾ [مريم: ٣٥] إذا أراد أن يحدث شيئا ﴿فَإِنَّمَا يَقُولُ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ﴾ [مريم: ٣٥] لا يتعذر عليه إيجاده على الوجه الذي أراده.
﴿وَإِنَّ اللَّهَ رَبِّي وَرَبُّكُمْ﴾ [مريم: ٣٦] هذا إخبار عن عيسى أنه قال ذلك المعنى: ولأن الله ربي وربكم، ويجوز أن يرجع إلى قوله: ﴿وَأَوْصَانِي بِالصَّلاةِ وَالزَّكَاةِ﴾ [مريم: ٣١]


الصفحة التالية
Icon