فِي غفلة فِي الدنيا عما يصنع بالموت ذلك اليوم، ﴿وَهُمْ لا يُؤْمِنُونَ﴾ [مريم: ٣٩] بما يصنع بالموت فِي ذلك اليوم.
﴿إِنَّا نَحْنُ نَرِثُ الأَرْضَ﴾ [مريم: ٤٠] نميت سكانها فنرثها، ومن عليها لأنا نميتهم ونهلكم، وهذا كقوله: ﴿وَنَحْنُ الْوَارِثُونَ﴾ [الحجر: ٢٣]، ﴿وَإِلَيْنَا يُرْجَعُونَ﴾ [مريم: ٤٠] يردون بعد الموت.
﴿وَاذْكُرْ فِي الْكِتَابِ إِبْرَاهِيمَ إِنَّهُ كَانَ صِدِّيقًا نَبِيًّا {٤١﴾ إِذْ قَالَ لأَبِيهِ يَا أَبَتِ لِمَ تَعْبُدُ مَا لا يَسْمَعُ وَلا يُبْصِرُ وَلا يُغْنِي عَنْكَ شَيْئًا ﴿٤٢﴾ يَا أَبَتِ إِنِّي قَدْ جَاءَنِي مِنَ الْعِلْمِ مَا لَمْ يَأْتِكَ فَاتَّبِعْنِي أَهْدِكَ صِرَاطًا سَوِيًّا ﴿٤٣﴾ يَا أَبَتِ لا تَعْبُدِ الشَّيْطَانَ إِنَّ الشَّيْطَانَ كَانَ لِلرَّحْمَنِ عَصِيًّا ﴿٤٤﴾ يَا أَبَتِ إِنِّي أَخَافُ أَنْ يَمَسَّكَ عَذَابٌ مِنَ الرَّحْمَنِ فَتَكُونَ لِلشَّيْطَانِ وَلِيًّا ﴿٤٥﴾ } [مريم: ٤١-٤٥] قوله تعالى: ﴿وَاذْكُرْ فِي الْكِتَابِ إِبْرَاهِيمَ﴾ [مريم: ٤١] اذكر لقومك قصته، ﴿إِنَّهُ كَانَ صِدِّيقًا﴾ [مريم: ٤١] كثير الصدق.
﴿نَبِيًّا {٤١﴾ إِذْ قَالَ لأَبِيهِ يَا أَبَتِ لِمَ تَعْبُدُ مَا لا يَسْمَعُ وَلا يُبْصِرُ} [مريم: ٤١-٤٢] وبخه على عبادته شيئا لا سمع له ولا بصر، ﴿وَلا يُغْنِي عَنْكَ شَيْئًا﴾ [مريم: ٤٢] لا يدفع عنك ضرا.
﴿يَا أَبَتِ إِنِّي قَدْ جَاءَنِي مِنَ الْعِلْمِ﴾ [مريم: ٤٣] بالله والمعرفة، ﴿مَا لَمْ يَأْتِكَ فَاتَّبِعْنِي أَهْدِكَ صِرَاطًا سَوِيًّا﴾ [مريم: ٤٣] على ما جاءني من ربي لأرشدك إلى دين مستقيم.
﴿يَا أَبَتِ لا تَعْبُدِ الشَّيْطَانَ﴾ [مريم: ٤٤] لا تطعه فيما يزن لك من الكفر والمعاصي، ﴿إِنَّ الشَّيْطَانَ كَانَ لِلرَّحْمَنِ عَصِيًّا﴾ [مريم: ٤٤] عاصيا.
﴿يَا أَبَتِ إِنِّي أَخَافُ أَنْ يَمَسَّكَ عَذَابٌ مِنَ الرَّحْمَنِ﴾ [مريم: ٤٥] أخشى أن يصيبك عذاب الله بطاعتك للشيطان، ﴿فَتَكُونَ لِلشَّيْطَانِ وَلِيًّا﴾ [مريم: ٤٥] قرينا فِي النار.
فقال أبوه مجبها له: ﴿قَالَ أَرَاغِبٌ أَنْتَ عَنْ آلِهَتِي يَا إِبْراهِيمُ لَئِنْ لَمْ تَنْتَهِ لَأَرْجُمَنَّكَ وَاهْجُرْنِي مَلِيًّا {٤٦﴾ قَالَ سَلامٌ عَلَيْكَ سَأَسْتَغْفِرُ لَكَ رَبِّي إِنَّهُ كَانَ بِي حَفِيًّا ﴿٤٧﴾ وَأَعْتَزِلُكُمْ وَمَا تَدْعُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ وَأَدْعُو رَبِّي عَسَى أَلَّا أَكُونَ بِدُعَاءِ رَبِّي شَقِيًّا ﴿٤٨﴾ } [مريم: ٤٦-٤٨] ﴿قَالَ أَرَاغِبٌ أَنْتَ عَنْ آلِهَتِي يَا إِبْراهِيمُ﴾ [مريم: ٤٦] أتاركها أنت، وتارك عبادتها، ﴿لَئِنْ لَمْ تَنْتَهِ﴾ [مريم: ٤٦] عن شتمها وعيبها، لأرجمنك لارمينك بالقول القبيح، وأشتمنك، ﴿وَاهْجُرْنِي مَلِيًّا﴾ [مريم: ٤٦] تباعد عني مليا حينا وزمانا طويلا، والملي من الدهر حين طويل، يقال: أقام بموضع كذا مليا، أي: حينا وزمانا طويلا.
قال إبراهيم لأبيه: سلام عليك أي: سلمت مني لا أصيبك بمكروه، وذلك أنه لم يؤمر بقتاله على كفره، ﴿سَأَسْتَغْفِرُ لَكَ رَبِّي﴾ [مريم: ٤٧] وذلك أنه لما أعياه، أمره وعده أن يراجع الله فِي أبيه، فيسأله أن يرزقه التوحيد، ويغفر له، والمعنى: سأسأل لك التوبة تنال بها مغفرته، ﴿إِنَّهُ كَانَ بِي حَفِيًّا﴾ [مريم: ٤٧] بارا لطيفا، يقال: حفى به حفوة إذا بره وألطفه.
وأعتزلكم أتنحى عنكم وأفارقكم، ﴿وَمَا تَدْعُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ﴾ [مريم: ٤٨] وأعتزل ما تعبدون من دون


الصفحة التالية
Icon