بِالسَّاحِلِ} [طه: ٣٩] وهو شط البحر والوادي، ﴿يَأْخُذْهُ عَدُوٌّ لِي وَعَدُوٌّ لَهُ﴾ [طه: ٣٩] يعني فرعون، ﴿وَأَلْقَيْتُ عَلَيْكَ مَحَبَّةً مِنِّي﴾ [طه: ٣٩] قال عطاء، عن ابن عباس: لا يلقاك أحد إلا أحبك، لا مؤمن ولا كافر.
وقال عكرمة: حسن وملاحة، فحيث أبصرت وجهه آسية قالت لفرعون: ﴿قُرَّتُ عَيْنٍ لِي وَلَكَ﴾ [القصص: ٩] وقال قتادة: ملاحة كانت فِي عين موسى، ما رآه أحد إلا عشقه.
وقال عبيدة: يقول: جعلت لك محبة عند غيري، أحبك فرعون، فسلمت من شره، وأحبتك امرأته آسية، فتبنتك.
﴿وَلِتُصْنَعَ عَلَى عَيْنِي﴾ [طه: ٣٩] ولتربى وتغذى بمرأى مني، يقال: صنع الرجل جاريته إذا رباها، وصنع فرسه إذا داوم على علفه، والقيام عليه.
وتفسير قوله: على عيني بمرأى مني صحيح، ولكن لا يكون لموسى فِي هذا تخصيص، فإن جميع الأشياء بمرأى من الله، والصحيح فِي هذا قول قتادة: لتغذى على محبتي وإرادتي.
وهذا القول اختيار أبي عبيدة، وابن الأنباري.
قال أبو عبيدة: لتغذى على محبتي، وما أريد.
والعرب تقول: اتخذ شيئا على عيني، أي: على محبتي.
وقال ابن الأنباري: العين فِي هذه الآية يقصد بها قصد الإرادة والاختيار، من قول العرب: غذي على عيني، أي على المحبة مني.
والمعنى: ولتصنع على عيني، قدرنا مشي أختك وقولها هل أدلك على من يكفله، لأن هذا كان من أسباب تربية موسى على ما أراد الله.
وهو قوله: ﴿إِذْ تَمْشِي أُخْتُكَ﴾ [طه: ٤٠] يعني حين قالت لها أم موسى: قصيه.
فاتبعت موسى على أثر الماء، وقوله: ﴿فَتَقُولُ هَلْ أَدُلُّكُمْ﴾ [طه: ٤٠] يعني: حين أبى موسى المراضع، فقالت: هل أدلكم ﴿عَلَى مَنْ يَكْفُلُهُ﴾ [طه: ٤٠] أي: يرضعه ويضمه إليه، فقيل لها: ومن هي؟ قالت أمي.
قالوا: أمك لها لبن.
قالت: لبن أخي هارون.
فأرسلوها، فجاءت بالأم، فقبل ثديها، فذلك قوله: ﴿فَرَجَعْنَاكَ إِلَى أُمِّكَ﴾ [طه: ٤٠] أي: رددناك إليها، ﴿كَيْ تَقَرَّ عَيْنُهَا﴾ [طه: ٤٠] بك وبرؤيتك، وقتلت نفسا يعني: القبطي الذي وكزه موسى فقضى عليه، ﴿فَنَجَّيْنَاكَ مِنَ الْغَمِّ﴾ [طه: ٤٠] من غم مخافة أن تقتل به، خلصناك منه حين هربت إلى مدين، ﴿وَفَتَنَّاكَ فُتُونًا﴾ [طه: ٤٠] قال ابن عباس فِي رواية سعيد بن جبير، ومجاهد فِي رواية ابن أبي نجيح: الفتون وقوعه فِي محنة بعد محنة، خلصه الله منها، أولها: أن أمه حملته فِي السنة التي كان فرعون يذبح فِيها الأطفال، ثم إلقاؤه فِي البحر، ثم منعه الرضاع إلا من ثدي أمه، ثم جره لحية فرعون حتى هم بقتله، ثم تناوله الجمرة بدل الدرة، ثم قتله القبطي، ثم خروجه إلى مدين خائفا يترقب، وكان ابن عباس يقص القصة على سعيد بن جبير، ويقول عند كل بلية: وهذا من الفتون يا ابن جبير.
وعلى هذا معنى فتناك خلصناك من تلك المحن


الصفحة التالية
Icon