مِنْ رَبِّكَ} [طه: ٤٧] يعني العصا، وقيل اليد، ﴿وَالسَّلامُ عَلَى مَنِ اتَّبَعَ الْهُدَى﴾ [طه: ٤٧] قال الزجاج: ليس يراد به التحية، وإنما معناه أن من اتبع الهدى سلم من عذاب الله.
يدل على هذا المعنى قوله: ﴿إِنَّا قَدْ أُوحِيَ إِلَيْنَا أَنَّ الْعَذَابَ عَلَى مَنْ كَذَّبَ وَتَوَلَّى﴾ [طه: ٤٨] أي: إنما يعذب من كذب بما جئنا به وأعرض عنه، فأما من اتبعه، فإنه يسلم من العذاب، فأتيا فرعون وبلغاه الرسالة.
﴿قَالَ فَمَنْ رَبُّكُمَا يَا مُوسَى {٤٩﴾ قَالَ رَبُّنَا الَّذِي أَعْطَى كُلَّ شَيْءٍ خَلْقَهُ ثُمَّ هَدَى ﴿٥٠﴾ قَالَ فَمَا بَالُ الْقُرُونِ الأُولَى ﴿٥١﴾ قَالَ عِلْمُهَا عِنْدَ رَبِّي فِي كِتَابٍ لا يَضِلُّ رَبِّي وَلا يَنْسَى ﴿٥٢﴾ } [طه: ٤٩-٥٢] قال فرعون: ﴿فَمَنْ رَبُّكُمَا يَا مُوسَى﴾ [طه: ٤٩] من إلهكما الذي أرسلكما؟ ﴿قَالَ رَبُّنَا الَّذِي أَعْطَى كُلَّ شَيْءٍ خَلْقَهُ﴾ [طه: ٥٠] أي: صورته، خلق كل جنس من الحيوان على صورة أخرى، فلم يجعل خلق الإنسان كخلق البهائم، ولا خلق البهائم كخلق الإنسان.
﴿ثُمَّ هَدَى﴾ [طه: ٥٠] والمعنى: ثم هداه لما يصلحه من مطعمه ومشربه ومنكحه إلى غير ذلك، والاحتجاج على فرعون من هذا الجواب، أنه قد ثبت خلق وهداية للخلائق، ولا بد لها من خالق وهاد، وذلك الخالق والهادي هو الرب لا رب غيره.
فلما دعاه إلى دين الله واتباع الهدى، قال له فرعون: ﴿فَمَا بَالُ الْقُرُونِ الأُولَى﴾ [طه: ٥١] معنى البال: الحال والشأن، والمعنى: ما حالها، فإنها لم تقر بالله، وبما تدعوا إليه، ولكنها عبدت الأوثان.
ويعني بالقرون الأولى: الأمم المتقدمة، مثل قوم نوح، وعاد، وثمود.
قال موسى: ﴿عِلْمُهَا عِنْدَ رَبِّي﴾ [طه: ٥٢] قال الزجاج: أي أعمالهم محفوظة عند الله، يجازي بها.
والتقدير علم أعمالها عند ربي، ﴿فِي كِتَابٍ﴾ [طه: ٥٢] قال الكلبي: يعني اللوح المحفوظ.
والمعنى أن أعمالهم مكتوبة مثبتة عليهم، أي أنهم يجازون بما عملوا، وأنت تجازى بما تعمل.
وقوله: ﴿لا يَضِلُّ رَبِّي وَلا يَنْسَى﴾ [طه: ٥٢] تأكيد وتحقيق للجزاء بالأعمال، أي: لا يخطئ ربي ولا يتسرع ما كان من أمرهم حتى يجازيهم بأعمالهم.
قال السدي: لا يغفل ولا يترك شيئا.
وأصل الضلال فِي اللغة الغيبوبة، يقال: ضل الماء فِي اللبن، وضل الكافر عن المحجة، وضل الناس إذا غاب عنه حفظه، ومعنى ﴿لا يَضِلُّ رَبِّي وَلا يَنْسَى﴾ [طه: ٥٢] عن شيء، ولا يغيب عنه شيء.
ثم زاد فِي الأخبار عن الله، وبيان وصفه، فقال: ﴿الَّذِي جَعَلَ لَكُمُ الأَرْضَ مَهْدًا وَسَلَكَ لَكُمْ فِيهَا سُبُلا وَأَنْزَلَ مِنَ السَّمَاءِ مَاءً فَأَخْرَجْنَا بِهِ أَزْوَاجًا مِنْ نَبَاتٍ شَتَّى {٥٣﴾ كُلُوا وَارْعَوْا أَنْعَامَكُمْ إِنَّ فِي ذَلِكَ لآيَاتٍ لأُولِي النُّهَى ﴿٥٤﴾ مِنْهَا خَلَقْنَاكُمْ وَفِيهَا نُعِيدُكُمْ وَمِنْهَا نُخْرِجُكُمْ تَارَةً أُخْرَى ﴿٥٥﴾ } [طه: ٥٣-٥٥] الذي جعل لكم الأرض مهادا وقرئ مهدا وهو مصدر كالفراش، والمهاد مثل الفراش والبساط، وهما اسم ما يفرش ويبسط، ﴿وَسَلَكَ لَكُمْ فِيهَا سُبُلا﴾ [طه: ٥٣] والسلك إدخال الشيء فِي الشيء، والمعنى: أدخل فِي الأرض لأجلكم طرفا تسلكونها، كما قال ابن عباس: سهل لكم فِيها طرقا.
﴿وَأَنْزَلَ مِنَ السَّمَاءِ﴾ [طه: ٥٣]


الصفحة التالية
Icon