وقوله: ﴿يُرِيدَانِ أَنْ يُخْرِجَاكُمْ مِنْ أَرْضِكُمْ بِسِحْرِهِمَا﴾ [طه: ٦٣] تقدم تفسيره، ﴿وَيَذْهَبَا بِطَرِيقَتِكُمُ الْمُثْلَى﴾ [طه: ٦٣] قال الفراء: العرب تقول هؤلاء طرقة قومهم وطرائق قومهم لا طراقهم.
والمثلى: تأنيث الأمثل، وهو الأفضل، يقال: فلان أمثل قومه، أي أفضلهم، وهم الأماثل.
روي الشعبي، عن علي بن أبي طالب، رضي الله عنه، فِي هذه الآية، قال: يصرفا وجوه الناس إليهما.
والمعنى أن يغلبا بسحرهما فيميل إليهما السادة والأشراف منكم، وقال قتادة: طريقتكم المثلى يومئذ بنو إسرائيل كانوا أكثر القوم عدة وأموال، فقالوا: إنما يريدون أن يذهبا بهما لأنفسهما.
وهذا قول أكثر المفسرين، وقال ابن زيد: ويذهبا بالطريقة التي أنتم عليها فِي السيرة.
واختاره أبو عبيدة، فقال: ﴿بِطَرِيقَتِكُمُ الْمُثْلَى﴾ [طه: ٦٣] بسنتكم ودينكم وما أنتم عليه.
ثم تواصوا فيما بينهم، فقالوا: ﴿فَأَجْمِعُوا كَيْدَكُمْ﴾ [طه: ٦٤] قال الفراء: الإجماع الإحكام، والعزيمة على الشيء، تقول: أجمعت الخروج، وعلى الخروج، مثل أزمعته.
وقرأ أبو عمرو فاجمعوا موصولا من الجمع، وحجته قوله: ﴿فَجَمَعَ كَيْدَهُ﴾ [طه: ٦٠] والمعنى: لا تدعوا من كيدكم شيئا إلا جئتم به، استظهارا للمبالغة فِي سحرهم.
﴿ثُمَّ ائْتُوا صَفًّا﴾ [طه: ٦٤] أي: مصطفين مجتمعين ليكون أنظم لأموركم، وأشد لهيبتكم، وهذا معنى قول ابن عباس والمفسرين.
وقال أبو عبيدة: الصف موضع المجمع، ويسمى المصلى الصف.
وقال الزجاج: وعلى هذا معناه: ثم ائتوا الموضع الذي تجتمعون فِيهِ لعيدكم وصلاتكم، يقال: أتيت الصف، بمعنى أتيت المصلى، ﴿وَقَدْ أَفْلَحَ الْيَوْمَ مَنِ اسْتَعْلَى﴾ [طه: ٦٤] قال ابن عباس: قد سعد اليوم من غلب، ومعنى استعلى: علا بالغلبة.
﴿قَالُوا يَا مُوسَى إِمَّا أَنْ تُلْقِيَ وَإِمَّا أَنْ نَكُونَ أَوَّلَ مَنْ أَلْقَى {٦٥﴾ قَالَ بَلْ أَلْقُوا فَإِذَا حِبَالُهُمْ وَعِصِيُّهُمْ يُخَيَّلُ إِلَيْهِ مِنْ سِحْرِهِمْ أَنَّهَا تَسْعَى ﴿٦٦﴾ فَأَوْجَسَ فِي نَفْسِهِ خِيفَةً مُوسَى ﴿٦٧﴾ قُلْنَا لا تَخَفْ إِنَّكَ أَنْتَ الأَعْلَى ﴿٦٨﴾ وَأَلْقِ مَا فِي يَمِينِكَ تَلْقَفْ مَا صَنَعُوا إِنَّمَا صَنَعُوا كَيْدُ سَاحِرٍ وَلا يُفْلِحُ السَّاحِرُ حَيْثُ أَتَى ﴿٦٩﴾ فَأُلْقِيَ السَّحَرَةُ سُجَّدًا قَالُوا آمَنَّا بِرَبِّ هَارُونَ وَمُوسَى ﴿٧٠﴾ } [طه: ٦٥-٧٠] ﴿قَالُوا يَا مُوسَى إِمَّا أَنْ تُلْقِيَ وَإِمَّا أَنْ نَكُونَ أَوَّلَ مَنْ أَلْقَى﴾ [طه: ٦٥] أي: اختر أحد هذين، والمراد بالإلقاء إلقاء العصي على الأرض، وكانت السحرة معهم عصا، وكان موسى قد ألقى عصاه يوم دخل على فرعون، فلما أراد السحرة معارضته قالوا له هذا القول.
قال موسى: ﴿بَلْ أَلْقُوا﴾ [طه: ٦٦] أمرهم بالإلقاء أولا، لتكون معجزته أظهر إذا ألقوا هم ما معهم، ثم يلقي هو عصاه، فتبتلع ذلك، وقوله: ﴿فَإِذَا حِبَالُهُمْ وَعِصِيُّهُمْ﴾ [طه: ٦٦] قال عطاء: كان عدد السحرة سبعين ألف رجل، مع


الصفحة التالية
Icon