فقالوا لهم: ارجعوا إلى مساكنكم لعلكم تسئلون شيئا من دنياكم، فإنكم أهل ثروة ونعمة، يقولون ذلك استهزاء بهم، وهذا قول قتادة في هذه الآية، وهو الصحيح.
ف قالوا عند ذلك: ﴿يَا وَيْلَنَا إِنَّا كُنَّا ظَالِمِينَ﴾ [الأنبياء: ١٤] لأنفسنا حيث كذبنا رسل ربنا، والمعنى أنهم اعترفوا بالذنب حين عاينوا العذاب، وقالوا هذا على سبيل الندم حين لم ينفعهم الندم، قال الله تعالى: ﴿فَمَا زَالَتْ تِلْكَ دَعْوَاهُمْ﴾ [الأنبياء: ١٥] ما زالت تلك الكلمة، التي هي قولهم: يا ويلنا، دعاءهم يدعون بها ويرددونها، ﴿حَتَّى جَعَلْنَاهُمْ حَصِيدًا﴾ [الأنبياء: ١٥] بالسيوف كما يحصد الزرع بالمنجل، خامدين يعني ميتين كخمود النار إذا طفئت.
﴿وَمَا خَلَقْنَا السَّمَاءَ وَالأَرْضَ وَمَا بَيْنَهُمَا لاعِبِينَ {١٦﴾ لَوْ أَرَدْنَا أَنْ نَتَّخِذَ لَهْوًا لاتَّخَذْنَاهُ مِنْ لَدُنَّا إِنْ كُنَّا فَاعِلِينَ ﴿١٧﴾ بَلْ نَقْذِفُ بِالْحَقِّ عَلَى الْبَاطِلِ فَيَدْمَغُهُ فَإِذَا هُوَ زَاهِقٌ وَلَكُمُ الْوَيْلُ مِمَّا تَصِفُونَ ﴿١٨﴾ وَلَهُ مَنْ فِي السَّمَوَاتِ وَالأَرْضِ وَمَنْ عِنْدَهُ لا يَسْتَكْبِرُونَ عَنْ عِبَادَتِهِ وَلا يَسْتَحْسِرُونَ ﴿١٩﴾ يُسَبِّحُونَ اللَّيْلَ وَالنَّهَارَ لا يَفْتُرُونَ ﴿٢٠﴾ } [الأنبياء: ١٦-٢٠] قوله: ﴿وَمَا خَلَقْنَا السَّمَاءَ وَالأَرْضَ وَمَا بَيْنَهُمَا لاعِبِينَ﴾ [الأنبياء: ١٦] يريد لم نخلقهما عبثا ولا باطلا، بل خلقناهم لأمر، وهو ما ذكر ابن عباس، فقال: لأجازي أوليائي، وأعذب أعدائي.
وقال غيره: خلقناها دلالة على قدرتنا ووحدانيتنا، ليعتبروا بخلقها، ويتفكروا فيها، فيعلموا أن العبادة لا تصلح إلا لخالقها.
قوله: ﴿لَوْ أَرَدْنَا أَنْ نَتَّخِذَ لَهْوًا﴾ [الأنبياء: ١٧] قال ابن عباس في رواية عطاء: يريد النساء.
وهو قول الحسن، وقتادة، قالا: اللهو بلغة اليمن المرأة.
وقال في رواية الكلبي: يعني الولد.
وهو قول السدي.
وقوله: ﴿لاتَّخَذْنَاهُ مِنْ لَدُنَّا﴾ [الأنبياء: ١٧] قال المفسرون: من الحور العين.
وهذا إنكار على من أضاف الصاحبة والولد إلى الله، واحتجاج عليهم بأنه لو كان جائزا في صفته لم يتخذه بحيث يظهر لهم، ولستر ذلك حتى لا يطلعوا عليه.
وقال الزجاج: المرأة لهو الدنيا، وكذلك الولد.
والمعنى على ذي اللهو، أي الذي يلهى به، ومعنى اللهو طلب الترويح عن النفس، يقول: لو أردنا أن نتخذ ولدا ذا لهو، أو امرأة ذات لهو، لأتخذناه من لدنا.
وقد أحسن ابن قتيبة في شرح الآية كل الإحسان، فقال: التفسير أن المرأة والولد في اللهو متقاربان، لأن امرأة الرجل لهوه، وولده لهوه، ولذلك يقال: امرأة الرجل وولده ريحانتاه، وأصل اللهو الجماع، كني عنه باللهو كما كني عنه بالسر، ثم قيل للمرأة لهو لأنها تجامع، قال امرؤ القيس:

ألا زعمت بسباسة اليوم أنني كبرت وأن لا يحسن اللهو أمثالي
أي النكاح، وتاويل الآية أن النصارى لما قالت في المسيح وأمه ما قالت، قال الله عز وجل: لو أردنا أن نتخذ، أي صاحبة وولدا كما يقولون، لاتخذنا ذلك من لدنا، أي: من عندنا ولم نتخذه من عندكم، لأنكم تعلمون أن ولد الرجل


الصفحة التالية
Icon