بني آدم.
يعني أن سبيله سبيل من مضى قبله من الرسل، ومن بني آدم في الموت، ﴿أَفَإِنْ مِتَّ فَهُمُ الْخَالِدُونَ﴾ [الأنبياء: ٣٤] يعني: مشركي مكة حين قالوا: نتربص بمحمد ريب المنون.
فقيل لهم: إن مات محمد فأنتم أيضا تموتون، لأن كل نفس ذائقة الموت، قالت عائشة رضي الله عنها: استأذن أبو بكر على رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وقد مات وسجي عليه الثوب، فكشف عن وجهه، ووضع فمه بين عينيه، ووضع يديه على صدغيه، وقال: وانبياه، واخليلاه، واصفياه، صدق الله ورسوله ﴿وَمَا جَعَلْنَا لِبَشَرٍ مِنْ قَبْلِكَ الْخُلْدَ أَفَإِنْ مِتَّ فَهُمُ الْخَالِدُونَ {٣٤﴾ كُلُّ نَفْسٍ ذَائِقَةُ الْمَوْتِ} [الأنبياء: ٣٤-٣٥] ثم خرج إلى الناس فخطب.
وقوله: ﴿وَنَبْلُوكُمْ بِالشَّرِّ وَالْخَيْرِ فِتْنَةً﴾ [الأنبياء: ٣٥] قال الوالبي عن ابن عباس: نبتليكم بالشدة والرخاء، والصحة والسقم، والغنى والفقر، والحلال والحرام، وكلها بلاء.
وقال ابن زيد: نبلوكم بما تحبون وبما تكرهون، لننظر كيف شكركم، وكيف صبركم.
وإلينا ترجعون تردون للجزاء بالأعمال، حسنها وسيئها.
قوله: ﴿وَإِذَا رَآكَ الَّذِينَ كَفَرُوا إِنْ يَتَّخِذُونَكَ إِلا هُزُوًا أَهَذَا الَّذِي يَذْكُرُ آلِهَتَكُمْ وَهُمْ بِذِكْرِ الرَّحْمَنِ هُمْ كَافِرُونَ {٣٦﴾ خُلِقَ الإِنْسَانُ مِنْ عَجَلٍ سَأُرِيكُمْ آيَاتِي فَلا تَسْتَعْجِلُونِ ﴿٣٧﴾ } [الأنبياء: ٣٦-٣٧] ﴿وَإِذَا رَآكَ الَّذِينَ كَفَرُوا﴾ [الأنبياء: ٣٦] قال ابن عباس: يعني المستهزئين.
﴿إِنْ يَتَّخِذُونَكَ إِلا هُزُوًا﴾ [الأنبياء: ٣٦] أي: ما يتخذونك إلا مهزوءا به، قال السدي: نزلت في أبي جهل، مر به النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فضحك، وقال: هذا نبي بني عبد مناف.
وقوله: أهذا الذي فيه إضمار القول، ومعنى يذكر آلهتكم قال ابن عباس: يعيب أصنامكم، قال الزجاج: يقال فلان يذكر الناس، أي يغتابهم ويذكرهم بالعيوب، وفلان يذكر الله، أي بصفة بالتعظيم ويثني عليه، وإنما يحذف مع الذكر ما عقل معناه، وعلى ما قل لا يكون الذكر في كلام العرب العيب، وحيث يراد به العيب حذف منه السوء.
وقوله: ﴿وَهُمْ بِذِكْرِ الرَّحْمَنِ هُمْ كَافِرُونَ﴾ [الأنبياء: ٣٦] وذلك أنهم قالوا: ما نعرف الرحمن فكفروا بالرحمن.
قوله: ﴿خُلِقَ الإِنْسَانُ مِنْ عَجَلٍ﴾ [الأنبياء: ٣٧] قال قتادة: خلق الإنسان عجولا.
والإنسان اسم الجنس، قال الفراء: كأنه يقول بنيته وخلقته من العجلة وعلى العجلة.
وقال الزجاج: خوطبت العرب بما تفعل، والعرب تقول للذي يكثر منه الشيء: خلقت منه، كما تقول: أنت من لعب، وخلقت من لعب، يريد المبالغة في وصفه بذلك، ويدل على هذا المعنى قوله: ﴿وَكَانَ الإِنْسَانُ عَجُولا﴾ [الإسراء: ١١].
وقال عكرمة: لما خلق آدم ونفخ فيه الروح، صار في رأسه، فذهب لينهض قبل أن يبلغ الروح إلى رجليه، فوقع، فقيل: ﴿خُلِقَ الإِنْسَانُ مِنْ عَجَلٍ﴾ [الأنبياء: ٣٧] وهذا قول سعيد بن جبير، والسدي، والكلبي، وعلى هذا المراد بالإنسان آدم، وإذا كان آدم خلق من عجل على معنى أنه خلق عجولا، وجد ذلك في أولاده، وأورث أولاده العجلة حتى استعجلوا في كل شيء، والآية نازلة في أهل مكة حين استعجلوا العذاب، قال ابن عباس في رواية عطاء: ﴿خُلِقَ الإِنْسَانُ مِنْ عَجَلٍ﴾ [الأنبياء: ٣٧] يريد النضر بن الحارث، وهو الذي قال: ﴿اللَّهُمَّ إِنْ كَانَ هَذَا هُوَ الْحَقَّ مِنْ عِنْدِكَ﴾ [الأنفال: ٣٢] الآية.
يدل على هذا قوله: سأريكم آياتي قال: يريد القتل ببدر.
فلا تستعجلون أي أنه نازل.