ليوسف حتى أمر مناديه، فقال لإخوته: ﴿إِنَّكُمْ لَسَارِقُونَ﴾ [يوسف: ٧٠] ولم يكونوا سرقوا شيئا.
وقوله: ﴿فَاسْأَلُوهُمْ إِنْ كَانُوا يَنْطِقُونَ﴾ [الأنبياء: ٦٣] إلزام للحجة عليهم بأنهم جماد لا يقدرون على النطق.
﴿فَرَجَعُوا إِلَى أَنْفُسِهِمْ فَقَالُوا إِنَّكُمْ أَنْتُمُ الظَّالِمُونَ {٦٤﴾ ثُمَّ نُكِسُوا عَلَى رُءُوسِهِمْ لَقَدْ عَلِمْتَ مَا هَؤُلاءِ يَنْطِقُونَ ﴿٦٥﴾ قَالَ أَفَتَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ مَا لا يَنْفَعُكُمْ شَيْئًا وَلا يَضُرُّكُمْ ﴿٦٦﴾ أُفٍّ لَكُمْ وَلِمَا تَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ أَفَلا تَعْقِلُونَ ﴿٦٧﴾ } [الأنبياء: ٦٤-٦٧] ﴿فَرَجَعُوا إِلَى أَنْفُسِهِمْ﴾ [الأنبياء: ٦٤] أي: تفكروا بقلوبهم، ورجعوا إلى عقولهم، فقال بعضهم لبعض: ﴿إِنَّكُمْ أَنْتُمُ الظَّالِمُونَ﴾ [الأنبياء: ٦٤] هذا الرجل في مسألتكم إياه، وهذه آلهتكم حاضرة، فسئلوها، وقال عطاء، عن ابن عباس: إنكم أنتم الظالمون، حيث عبدتم من لا يتكلم.
وكان هذا إقرار منهم على أنفسهم بالكفر، ثم أدركتهم الشقاوة، فعادوا إلى كفرهم، وهو قوله: ﴿ثُمَّ نُكِسُوا عَلَى رُءُوسِهِمْ﴾ [الأنبياء: ٦٥] النكس: رد الشيء وقلبه على آخره، يقال: نكست فلانا في ذلك الأمر، أي رددته فيه بعدما خرج منه.
والمعنى: ردوا إلى الكفر بعد أن أقروا على أنفسهم بالظلم.
ف قالوا لإبراهيم: ﴿لَقَدْ عَلِمْتَ مَا هَؤُلاءِ يَنْطِقُونَ﴾ [الأنبياء: ٦٥] قال ابن عباس: لقد علمت أن هذه الأصنام لا تتكلم.
وهذا اعتراف منهم بعجز ما يعبدونه عن النطق.
فلما اتجهت الحجة عليهم بإقرارهم وبخهم إبراهيم، ف ﴿قَالَ أَفَتَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ مَا لا يَنْفَعُكُمْ شَيْئًا﴾ [الأنبياء: ٦٦] لا يرزقكم ولا يعطيكم شيئا إذ عبدتوها، ولا يضركم إذا لم تعبدوها، وفي هذا حث على عبادة من يملك النفع والضر، وهو الله تعالى.
ثم حقرهم وحقر معبودهم، فقال: أف لكم أي: نتنًا لك، ﴿وَلِمَا تَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ أَفَلا تَعْقِلُونَ﴾ [الأنبياء: ٦٧] أليس لكم عقل فتعلموا أن هذا الأصنام لا تستحق العبادة، فلما لزمتهم الحجة، وعجزوا عن الجواب، غضبوا.
﴿قَالُوا حَرِّقُوهُ وَانْصُرُوا آلِهَتَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ فَاعِلِينَ {٦٨﴾ قُلْنَا يَا نَارُ كُونِي بَرْدًا وَسَلامًا عَلَى إِبْرَاهِيمَ ﴿٦٩﴾ وَأَرَادُوا بِهِ كَيْدًا فَجَعَلْنَاهُمُ الأَخْسَرِينَ ﴿٧٠﴾ } [الأنبياء: ٦٨-٧٠] ﴿قَالُوا حَرِّقُوهُ وَانْصُرُوا آلِهَتَكُمْ﴾ [الأنبياء: ٦٨] أي: بتحريق إبراهيم، لأنه يعيبها ويطعن عليها، فإذا أحرقتموه كان ذلك نصر منكم إياها، ﴿إِنْ كُنْتُمْ فَاعِلِينَ﴾ [الأنبياء: ٦٨] أي: إن كنتم ناصريها، والمعنى: لا تنصروها منه بالتحريق بالنار، قال السدي: جمعوا الحطب حتى إن الرجل ليمرض فيوصي بكذا وكذا من ماله، فيشتري به حطبا، فيلقى في النار، وحتى إن المرأة لتغزل، فتشتري به حطبا، فتلقيه في النار، حتى بلغوا من ذلك ما أرادوا، فلما أرادوا أن يلقوا إبراهيم، ولم يدروا كيف يلقونه، فجاء إبليس فدلهم على المنجنيق.
وهو أول منجنيق صنع، فوضعوه فيه، ثم رموه، فبلغنا أن السموات والأرض والجبال والملائكة، قالوا: ربنا عبدك إبراهيم يحرق فيك.
فقيل لهم: إن استغاث بكم فأغيثوه.
فقال إبراهيم: حسبي الله ونعم الوكيل.
فنزل جبريل معه، فضرب النار، فقال: ﴿قُلْنَا يَا نَارُ كُونِي بَرْدًا وَسَلامًا عَلَى إِبْرَاهِيمَ﴾ [الأنبياء: ٦٩] فلم يبق