وكان مشتهيا أن ينزل بأس الله بهم لطول ما قاس من تكذيبهم وهزئهم وأذاهم فذهب} مُغَاضِبًا ﴿ [الأنبياء: ٨٧] لربه أي لأمر ربه وهو رفعه العذاب، عن قومه كره ذلك وغضب منه ومضى على جهة مضي الآبق الناد، يقول الله تعالى﴾ إِذْ أَبَقَ إِلَى الْفُلْكِ الْمَشْحُونِ ﴿ [الصافات: ١٤٠] وكان غضبه أنفة من ظهور خلف وعده، وقال: والله لا أرجع إلى قومي كذابا أبدا وعدتهم العذاب في يوم فلم يأت، وروي في الحديث: أنه كان ضيق الصدر، قليل الصبر على ما صبر على مثله أولو العزم من الرسل.
وقوله:﴾ فَظَنَّ أَنْ لَنْ نَقْدِرَ عَلَيْهِ ﴿ [الأنبياء: ٨٧] أي: لن نقضي عليه من العقوبة ما قضيناه، وهذا قول مجاهد، وقتادة، والضحاك، وعطية، يقال: قدر الله الشيء وقدره، أي قضاه، وهذا القول اختيار الفراء، والزجاج.
وقال آخرون: لن نقدر عليه، لن نضيق عليه الحبس، من قوله عز وجل:﴾ وَمَنْ قُدِرَ عَلَيْهِ رِزْقُهُ ﴿ [الطلاق: ٧] أي: من ضيق عليه، وقد ضيق الله على يونس تضييقه على معذب في الدنيا، وهذا معنى قول عطاء، والحسن: ظن أن لن نعاقبه.
وقال:﴾ فَنَادَى فِي الظُّلُمَاتِ ﴿ [الأنبياء: ٨٧] أكثر المفسرين قالوا: يعني ظلمة الليل، وظلمة بطن الحوت، وظلمة البحر.
وقال سالم بن أبي الجعد: حوت في حوت في ظلمة.
وقوله:﴾ أَنْ لا إِلَهَ إِلا أَنْتَ سُبْحَانَكَ إِنِّي كُنْتُ مِنَ الظَّالِمِينَ ﴿ [الأنبياء: ٨٧] قال الحسن، وقتادة: هذا القول من يونس اعتراف بذنبه وتوبة من خطيئته، تاب إلى ربه في بطن الحوت، وراجع نفسه، فقال: إني كنت من الظالمين حين ذهبت مغاضبا، ولم أعبد غيرك.
وهذا معنى قوله:﴾ لا إِلَهَ إِلا أَنْتَ سُبْحَانَكَ [الأنبياء: ٨٧] الآية.
٦٢١ - أَخْبَرَنَا عَبْدُ الْقَاهِرِ بْنُ طَاهِرٍ، أنا الْقَاسِمُ بْنُ غَانِمِ بْنِ حَمُّوَيْهِ، نا مُحَمَّدُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ الْبُوشَنْجِيُّ، نا عَمْرُو بْنُ الْحُصَيْنِ، نا مُعْتَمِرٌ، عَنْ مَعْمَرٍ، عَنِ الزُّهْرِيِّ، عَنْ أَبِي أُمَامَةَ بْنِ سَهْلٍ، عَنْ سَعْدِ بْنِ أَبِي وَقَّاصٍ، قَالَ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ، صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قَالَ: " إِنِّي لأَعْلَمُ كَلِمَةً لا يَقُولُهَا مَكْرُوبٌ إِلا فَرَّجَ اللَّهُ عَنْهُ، كَلِمَةَ أَخِي يُونُسَ ﴿فَنَادَى فِي الظُّلُمَاتِ أَنْ لا إِلَهَ إِلا أَنْتَ سُبْحَانَكَ إِنِّي كُنْتُ مِنَ الظَّالِمِينَ﴾
قوله: فاستجبنا له أي: أجبنا دعاءه، ﴿وَنَجَّيْنَاهُ مِنَ الْغَمِّ﴾ [الأنبياء: ٨٨] من تلك الظلمات، ﴿وَكَذَلِكَ نُنْجِي الْمُؤْمِنِينَ﴾ [الأنبياء: ٨٨] إذا دعوني كما أنجينا ذا النون، وروي عن عاصم أنه قرأ نجى المؤمنين مشددة الجيم، وجميع النحويين حكموا على هذه القراءة بالغلط، وأنها لحن، ثم ذكر الفراء وجها، فقال: أضمر المصدر في ننجي فنوى به الرفع ونصب المؤمنين، كقولك: ضرب الضرب زيدا.
ثم يقول زيدا على إضمار المصدر.