والتخصيص، وهو يريد روح عيسى، ﴿وَجَعَلْنَاهَا وَابْنَهَا آيَةً لِلْعَالَمِينَ﴾ [الأنبياء: ٩١] يعني: ما ظهر فيها من الأعجوبة التي دلت على قدرة الله، ووحد الآية بعد ذكرهما جميعا، لأن الآية فيهما واحدة، وهي ولادة من غير فحل.
قوله: ﴿إِنَّ هَذِهِ أُمَّتُكُمْ أُمَّةً وَاحِدَةً وَأَنَا رَبُّكُمْ فَاعْبُدُونِ {٩٢﴾ وَتَقَطَّعُوا أَمْرَهُمْ بَيْنَهُمْ كُلٌّ إِلَيْنَا رَاجِعُونَ ﴿٩٣﴾ فَمَنْ يَعْمَلْ مِنَ الصَّالِحَاتِ وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَلا كُفْرَانَ لِسَعْيِهِ وَإِنَّا لَهُ كَاتِبُونَ ﴿٩٤﴾ } [الأنبياء: ٩٢-٩٤] ﴿إِنَّ هَذِهِ أُمَّتُكُمْ﴾ [الأنبياء: ٩٢] قال ابن عباس: يريد دينكم.
وهو قول الحسن، ومجاهد، والجميع، قال ابن قتيبة: والأمة الدين.
ومنه قوله: ﴿إِنَّا وَجَدْنَا آبَاءَنَا عَلَى أُمَّةٍ﴾ [الزخرف: ٢٢] أي على دين، والأصل أنه يقال للقوم يجتمعون على دين واحد، أمة، فتقام مقام الدين، وقوله: أمة واحدة قال ابن عباس: دينا واحدا.
والمعنى أن هذه الشريعة التي نبينها لكم في كتابكم دينا واحدا، إبطالا لما سواها من الأديان، وهي نصب على الحال، ﴿وَأَنَا رَبُّكُمْ فَاعْبُدُونِ﴾ [الأنبياء: ٩٢] أي: لا دين سوى ديني، ولا رب غيري.
ثم ذكر اليهود والنصارى وذمهم بالاختلاف، فقال: ﴿وَتَقَطَّعُوا أَمْرَهُمْ بَيْنَهُمْ﴾ [الأنبياء: ٩٣] أي: اختلفوا في الدين فصاروا فيه فرقا وأحزابا، يعني: طوائف اليهود والنصارى.
قال الكلبي: فرقوا دينهم فيما بينهم، يلعن بعضهم بعضا، وتبرأ بعضهم من بعض.
والتقطع في هذه الآية بمنزلة التقطيع، ثم أخبر أن مرجع جميع أهل الأديان إليه، وأنه مجاز جميعهم، فقال: {كُلٌّ إِلَيْنَا رَاجِعُونَ ﴿٩٣﴾ فَمَنْ يَعْمَلْ مِنَ الصَّالِحَاتِ} [الأنبياء: ٩٣-٩٤] أي: شيئا منها من أداء الفرائض، وصلة الرحم، ونصرة المظلوم، وغيرها من أعمال البر، وهو مؤمن مصدق بمحمد صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وبما جاء به، ﴿فَلا كُفْرَانَ لِسَعْيِهِ﴾ [الأنبياء: ٩٤] لا جحود لعمله، يعني أنه يقبل ويشكر بالثواب عليه، ﴿وَإِنَّا لَهُ كَاتِبُونَ﴾ [الأنبياء: ٩٤] نأمر الحفظة أن يكتبوا لذلك العامل ما عمل ليجازى به.
وقوله: ﴿وَحَرَامٌ عَلَى قَرْيَةٍ أَهْلَكْنَاهَا أَنَّهُمْ لا يَرْجِعُونَ {٩٥﴾ حَتَّى إِذَا فُتِحَتْ يَأْجُوجُ وَمَأْجُوجُ وَهُمْ مِنْ كُلِّ حَدَبٍ يَنْسِلُونَ ﴿٩٦﴾ وَاقْتَرَبَ الْوَعْدُ الْحَقُّ فَإِذَا هِيَ شَاخِصَةٌ أَبْصَارُ الَّذِينَ كَفَرُوا يَا وَيْلَنَا قَدْ كُنَّا فِي غَفْلَةٍ مِنْ هَذَا بَلْ كُنَّا ظَالِمِينَ ﴿٩٧﴾ } [الأنبياء: ٩٥-٩٧] ﴿وَحَرَامٌ عَلَى قَرْيَةٍ﴾ [الأنبياء: ٩٥] قال قتادة: واجب عليها أنها إذا أهلكت لا ترجع إلى دنياها.
ونحو هذا قال عكرمة، عن ابن عباس، وعطاء، والكلبي، قال عطاء: يريد حتما مني.
وقال الكلبي: يقول وجب على أهل قرية.
أهلكناها يريد عذبناها ﴿أَنَّهُمْ لا يَرْجِعُونَ﴾ [الأنبياء: ٩٥] إلى الدنيا، والمعنى أن الله كتب على من أهلك أن يبقى في البرزخ إلى يوم القيامة، وأن لا يرجع إلى الدنيا قضاء منه حتما، وفي هذا تخويف لكفار مكة أنهم إن عذبوا وأهلكوا لم يرجعوا إلى الدنيا كغيرهم من الأمم المهلكة، وذهب ابن جريج، وأبو عبيدة، وابن قتيبة، وجماعة إلى أن لا في قوله: لا يرجعون زيادة وقالوا المعنى: حرام على قرية مهلكة ترجعوهم إلى الدنيا، كما قال: {فَلا يَسْتَطِيعُونَ تَوْصِيَةً