عَنِ النَّبِيِّ، صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فِي قَوْلِهِ: ﴿وَيُسْقَى مِنْ مَاءٍ صَدِيدٍ {١٦﴾ يَتَجَرَّعُهُ} [إبراهيم: ١٦-١٧] قَالَ: يُقَرَّبُ إِلَيْهِ، فَيَتَكَرَّهُهُ فَإِذَا أُدْنِيَ مِنْهُ هَوَى وَجْهُهُ، وَوَقَعَ فَرْوَةُ رَأْسِهِ، فَإِذَا شَرِبَ؛ قَطَّعَ أَمْعَاءَهُ، حَتَّى يَخْرُجَ مِنْ دُبُرِهِ، يَقُولُ اللَّهِ، تَعَالَى: ﴿وَسُقُوا مَاءً حَمِيمًا فَقَطَّعَ أَمْعَاءَهُمْ﴾ [محمد: ١٥]، وَيَقُولُ اللَّهِ، تَعَالَى: ﴿وَإِنْ يَسْتَغِيثُوا يُغَاثُوا بِمَاءٍ كَالْمُهْلِ يَشْوِي الْوُجُوهَ بِئْسَ الشَّرَابُ﴾ [الكهف: ٢٩].
قَوْلُهُ: ﴿يَتَجَرَّعُهُ﴾ [إبراهيم: ١٧] التَّجَرُّعُ: تَنَاوُلُ الشَّرَابِ جَرْعَةً جَرْعَةً
قال ابن عباس: يريد بالكره.
﴿وَلا يَكَادُ يُسِيغُهُ﴾ [إبراهيم: ١٧] يقال: ساغ الشراب في الحلق سوغا وأساغه الله، قال المفسرون: يتحساه ويشربه بالجرع، لا بمرة واحدة، لمرارته، ولا يسيغه إلا بعد إبطاء، لكراهته للذلك الشراب.
وقوله: ﴿وَيَأْتِيهِ الْمَوْتُ﴾ [إبراهيم: ١٧] أي: همُّ الموت، وألمه، وكربه، ﴿مِنْ كُلِّ مَكَانٍ﴾ [إبراهيم: ١٧] قال ابن عباس: من كل شعرة في جسده.
وقال الثوري: من كل عرق في جسده.
﴿وَمَا هُوَ بِمَيِّتٍ﴾ [إبراهيم: ١٧] موتا تنقطع معه الحياة، ومن ورائه ومن بعد هذا العذاب، وقال الكلبي: ومن بعد هذا الصديد.
﴿عَذَابٌ غَلِيظٌ﴾ [إبراهيم: ١٧] متصل الآلام، وقال إبراهيم التيمي: يعني الخلود في النار.
﴿مَثَلُ الَّذِينَ كَفَرُوا بِرَبِّهِمْ أَعْمَالُهُمْ كَرَمَادٍ اشْتَدَّتْ بِهِ الرِّيحُ فِي يَوْمٍ عَاصِفٍ لا يَقْدِرُونَ مِمَّا كَسَبُوا عَلَى شَيْءٍ ذَلِكَ هُوَ الضَّلالُ الْبَعِيدُ﴾ [إبراهيم: ١٨] قوله: ﴿مَثَلُ الَّذِينَ كَفَرُوا بِرَبِّهِمْ أَعْمَالُهُمْ﴾ [إبراهيم: ١٨] قال الفراء: تقدير الآية مثل أعمال الذين كفروا بربهم، فحذف المضاف اعتمادا على ذكره بعد المضاف إليه.
وقوله: ﴿كَرَمَادٍ اشْتَدَّتْ بِهِ الرِّيحُ فِي يَوْمٍ عَاصِفٍ﴾ [إبراهيم: ١٨] أراد عاصف الريح، فحذف الريح لأنها ذكرت في أول الكلام، ويقال: عصفت الريح عصوفا إذا اشتد هبوبها.
ومعنى الآية أن كل ما تقرب به الذين كفروا إلى الله، فمحبط غير منتفع به، لأنهم أشركوا فيها غير الله، كالرماد الذي ذّرَّتْهُ الريح وصار هباء لا ينتفع به، وذلك قوله: ﴿لا يَقْدِرُونَ مِمَّا كَسَبُوا﴾ [إبراهيم: ١٨] أي في الدنيا، على شيء