والبدن جمع بدنة، ويجوز بضم الدال مثل ثمرة وثمر وثمر، وهي الناقة والبقرة مما يجوز في الهدي والأضاحي، ﴿جَعَلْنَاهَا لَكُمْ مِنْ شَعَائِرِ اللَّهِ﴾ [الحج: ٣٦] أي: من أعلام دينه، والمعنى: جعلنا لكم فيها عبادة لله من سوقها إلى البيت، وتقليدها، وإشعارها، ونحرها، والإطعام منها، ﴿لَكُمْ فِيهَا خَيْرٌ﴾ [الحج: ٣٦] يعني: النفع في الدنيا والأجر في الآخرة، ﴿فَاذْكُرُوا اسْمَ اللَّهِ عَلَيْهَا﴾ [الحج: ٣٦] على نحرها، صواف قال ابن عباس، وابن عمر: قياما مقيدة سنة محمد صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ.
وقال مجاهد: إذا عقلت إحدى يديها وقامت على ثلاث تنحر، كذلك ويسوى بين أوظفتها لئلا يتقدم بعضها على بعض.
﴿فَإِذَا وَجَبَتْ جُنُوبُهَا﴾ [الحج: ٣٦] سقطت إلى الأرض، وذلك عند خروج الروح منها، وهو وقت الأكل، وهو قوله: ﴿فَكُلُوا مِنْهَا وَأَطْعِمُوا الْقَانِعَ وَالْمُعْتَرَّ﴾ [الحج: ٣٦] قال ابن عباس في رواية عطاء: القانع الذي لا يسأل، والمعتر الذي يأتيك بالسلام ويريك وجهه ولا يسأل.
وهذا قول زيد بن أسلم، وابنه، وسعيد بن جبير، والحسن.
وقال الوالبي، وعكرمة، وقتادة، ومجاهد: القانع الذي يقنع ويجلس في بيته، والمعتر الذي يعتريك ويسألك.
وروى العوفي، عن ابن عباس: أن كليهما الذي لا يسأل.
قال: القانع الذي يرضى بما عنده ولا يسأل، والمعتر الذي يتعرض لك ولا يسألك.
ويقال: قنع قنوعا إذا سأل، وقنع يقنع قناعة إذا رضي بما قسمه له وترك المسألة والتعرض.
قال أبو زيد: سأل القانع السائل.
قال: بعضهم المتعفف، وكل يصلح.
والمعتر من قولهم: عره واعتره وعره واعتراه إذا أتاه يطلب معروفة، إما سؤالا، أو تعرضا.
وقوله: كذلك أي: مثل ما وصفنا من نحرها قياما سخرناها لكم نعمة منا عليكم لتتمكنوا من نحرها على الوجه المسنون، لعلكم تشكرون لكي تشكروا إنعام الله عليكم، قال ابن عباس: شكر الله طاعة له، واعترف بإنعامه.
قوله: ﴿لَنْ يَنَالَ اللَّهَ لُحُومُهَا وَلا دِمَاؤُهَا وَلَكِنْ يَنَالُهُ التَّقْوَى مِنْكُمْ كَذَلِكَ سَخَّرَهَا لَكُمْ لِتُكَبِّرُوا اللَّهَ عَلَى مَا هَدَاكُمْ وَبَشِّرِ الْمُحْسِنِينَ﴾ [الحج: ٣٧] ﴿لَنْ يَنَالَ اللَّهَ لُحُومُهَا وَلا دِمَاؤُهَا﴾ [الحج: ٣٧] قال الكلبي: كان أهل الجاهلية إذا نحروا البدن نضحوا دماءها حول البيت، قربة إلى الله، وأراد المسلمون أن يفعلوا ذلك، فأنزل الله هذه الآية.
قال مقاتل: لن ترفع إلى الله لحومها ولا دماؤها، ولكن يرفع إلى الله الأعمال الصالحة والتقوى، وهو ما أريد به وجه الله تعالى.
قال الزجاج: أعلم الله أن الذي يصل إليه تقواه وطاعته فيما يأمر به.
وحقيقته معنى هذا الكلام يعود إلى القبول، وذلك أن ما يقبله الإنسان يقال: قد ناله ووصل إليه، فخاطب الله الخلق كعادتهم في تخاطبهم، والمعنى: لن يقبل الله اللحوم ولا دماء إذا كانت من غير تقوى الله، وإنما يتقبل منكم ما تتقونه به، وفي هذا دليل على أن شيئا من العبادات لا يصلح إلا بالنية، وهو أن ينوي بها التقرب إلى الله واتقاء عقابه، وقوله: ﴿كَذَلِكَ سَخَّرَهَا لَكُمْ﴾ [الحج: ٣٧] تقدم تفسيره، ﴿لِتُكَبِّرُوا اللَّهَ عَلَى مَا هَدَاكُمْ﴾ [الحج: ٣٧] على ما بين لكم وأرشدكم لمعالم دينه ومناسك حجه، وهو أن يقول: الله أكبر على ما هدانا.
وبشر المحسنين قال ابن عباس: يريد الموحدين.
﴿إِنَّ اللَّهَ يُدَافِعُ عَنِ الَّذِينَ آمَنُوا إِنَّ اللَّهَ لا يُحِبُّ كُلَّ خَوَّانٍ كَفُورٍ﴾ [الحج: ٣٨] {