فِي الأَرْضِ وَإِنَّا عَلَى ذَهَابٍ بِهِ لَقَادِرُونَ ﴿١٨﴾ فَأَنْشَأْنَا لَكُمْ بِهِ جَنَّاتٍ مِنْ نَخِيلٍ وَأَعْنَابٍ لَكُمْ فِيهَا فَوَاكِهُ كَثِيرَةٌ وَمِنْهَا تَأْكُلُونَ ﴿١٩﴾ وَشَجَرَةً تَخْرُجُ مِنْ طُورِ سَيْنَاءَ تَنْبُتُ بِالدُّهْنِ وَصِبْغٍ لِلآكِلِينَ ﴿٢٠﴾ وَإِنَّ لَكُمْ فِي الأَنْعَامِ لَعِبْرَةً نُسْقِيكُمْ مِمَّا فِي بُطُونِهَا وَلَكُمْ فِيهَا مَنَافِعُ كَثِيرَةٌ وَمِنْهَا تَأْكُلُونَ ﴿٢١﴾ وَعَلَيْهَا وَعَلَى الْفُلْكِ تُحْمَلُونَ ﴿٢٢﴾ } [المؤمنون: ١٨-٢٢] ﴿وَأَنْزَلْنَا مِنَ السَّمَاءِ مَاءً بِقَدَرٍ﴾ [المؤمنون: ١٨] أي: بقدر يعلمه الله، وقال مقاتل: بقدر ما يكفيهم للمعيشة.
﴿فَأَسْكَنَّاهُ فِي الأَرْضِ﴾ [المؤمنون: ١٨] يريد ما يبقى في الغدران والمسنقعات والدحلان، أقر الله الماء فيها لينتفع به الناس في الصيف عند انقطاع المطر.
٦٤٦ - أَخْبَرَنَا الشَّرِيفُ إِسْمَاعِيلُ بْنُ الْحَسَنِ بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ الْحُسَيْنِ النَّقِيبُ، أنا جَدِّي، أنا مُحَمَّدُ بْنُ الْحُسَيْنِ الْبَزَّارُ، نا عُثْمَانُ بْنُ سَعِيدٍ، نا سَعِيدُ بْنُ سَابِقٍ الإِسْكَنْدَرَانِيُّ، نا مَسْلَمَةُ بْنُ عَلِيٍّ، عَنْ مُقَاتِلِ بْنِ حَيَّانَ، عَنْ عِكْرِمَةَ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، عَنِ النَّبِيِّ، صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قَالَ: " إِنَّ اللَّهَ أَنْزَلَ مِنَ الْجَنَّةِ خَمْسَةَ أَنْهَارٍ؛ سِيحُونُ وَهُوَ نَهْرُ الْهِنْدِ، وَجِيحُونُ وَهُوَ نَهْرُ بَلْخٍ، وَدِجْلَةُ، وَالْفُرَاتُ وَهُمَا نَهْرَا الْعِرَاقِ، وَالنِّيلُ وَهُوَ نَهْرُ مِصْرَ، أَنْزَلَهَا اللَّهُ مِنْ عَيْنٍ وَاحِدَةٍ مِنْ عُيُونِ الْجَنَّةِ مِنْ أَسْفَلِ دَرَجَةٍ مِنْ دَرَجَاتِهَا عَلَى جَنَاحَيْ جِبْرِيلَ، اسْتَوْدَعَهَا الْجِبَالَ، وَأَجْرَاهَا فِي الأَرْضِ، وَجَعَلَ فِيهَا مَنَافِعَ لِلنَّاسِ فِي أَصْنَافِ مَعَايِشِهِمْ، فَذَلِكَ قَوْلُهُ، عَزَّ وَجَلَّ ﴿وَأَنْزَلْنَا مِنَ السَّمَاءِ مَاءً بِقَدَرٍ فَأَسْكَنَّاهُ فِي الأَرْضِ﴾، فَإِذَا كَانَ عِنْدَ خُرُوجِ يَأْجُوجَ وَمَأْجُوجَ؛ أَرْسَلَ اللَّهُ جِبْرِيلَ فَرَفَعَ مِنَ الأَرْضِ الْقُرْآنَ وَالْعِلْمَ كُلَّهُ وَالْحَجَرَ الأَسْوَدَ مِنْ رُكْنِ الْبَيْتِ وَمَقَامَ إِبْرَاهِيمَ وَتَابُوتَ مُوسَى بِمَا فِيهِ وَهَذِهِ الأَنْهَارَ الْخَمْسَةَ، وَيَرْفَعُ كُلَّ ذَلِكَ إِلَى السَّمَاءِ، وَذَلِكَ قَوْلُهُ: ﴿وَإِنَّا عَلَى ذَهَابٍ بِهِ لَقَادِرُونَ﴾ فَإِذَا رُفِعَتْ هَذِهِ الأَشْيَاءُ مِنَ الأَرْضِ فَقَدَ أَهْلُهَا خَيْرَ الدُّنْيَا وَالدِّينِ، هَذَا الْحَدِيثُ رَوَاهُ الإِمَامُ أَبُو الْعَبَّاسِ الْحَسَنُ بْنُ سُفْيَانَ، عَنْ عُثْمَانَ بْنِ سَعِيدٍ، بِالإِجَازَةِ، أنا سَعِيدُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ أَحْمَدَ الْعَدْلُ، أنا أَبُو عَمْرٍو مُحَمَّدُ بْنُ أَحْمَدَ الْحِيرِيُّ، أنا الْحَسَنُ بْنُ سُفْيَانَ قَالَ: وَجَدْتُ فِيمَا أَجَازَ لِي عُثْمَانُ بْنُ سَعِيدٍ، أنا سَعِيدُ بْنُ سَابِقٍ الإِسْكَنْدَرَانِيُّ، فَذَكَرَ الْحَدِيثَ، ثُمَّ ذَكَرَ اللَّهَ، تَعَالَى، مَا أَنْبَتَ مِنَ السَّمَاءِ، فَقَالَ: {فَأَنْشَأْنَا لَكُمْ بِهِ جَنَّاتٍ مِنْ نَخِيلٍ وَأَعْنَابٍ لَكُمْ فِيهَا فَوَاكِهُ كَثِيرَةٌ وَمِنْهَا تَأْكُلُونَ ﴿١٩﴾ وَشَجَرَةً} عَطْفٌ عَلَى قَوْلِهِ: جَنَّاتٍ وَالْمُفَسِّرُونَ كُلُّهُمْ يَقُولُونَ؛ يَعْنِي: شَجَرَةَ الزَّيْتُونِ، وَخُصَّتْ بِالذِّكْرِ؛ لأَنَّهُ لا يَتَعَاهَدُهَا أَحَدٌ بِالسَّقْيِ وَهِيَ تُخْرِجُ الثَّمَرَةَ الَّتِي يَكُونُ مِنْهَا الدُّهْنُ الَّذِي تَعْظُمُ بِهِ الْمَنْفَعَةُ فَذُكِرَتِ النِّعْمَةُ فِيهَا
وقوله: ﴿تَخْرُجُ مِنْ طُورِ سَيْنَاءَ﴾ [المؤمنون: ٢٠] قرئ بفتح السين وكسرها، وهي نبطية في قول الضحاك، وحبشية في قول عكرمة، وهي اسم المكان الذي به هذا الجبل في أصح الأقوال، وسيناء في قول مجاهد: اسم حجارة بعينها، أضيف الجبل إليها لوجودها عنده.
وقال الكلبي: طور سيناء الجبل المشجر.
وقال عطاء: يريد الجبل الحسن.
وقوله: تنبت بالدهن أي: تنبته لأنه يعصر من الزيتون الزيت، والباء في بالدهن للتعدي، يقال: أنبته ونبت به.
ومن قرأ تنبت بضم التاء، فإن جعلت أنبت بمعنى كقول زهير:
حتى إذا أنبت البقل
فهذه القراءة كالأول سواء، وإن جعلت تنبت من الإنبات الذي هو مضارع أنبت، فالباء في بالدهن زيادة كزيادتها


الصفحة التالية
Icon