مباركا بالماء والشجر.
وقرأ عاصم منزلا بفتح الميم وكسر الزاي، يعني: موضع نزول، قال المفسرون: إنه أمر أن يقول عند استوائه على الفلك: الحمد لله، وعند نزوله: أنزلني منزلا مباركا.
﴿وَأَنْتَ خَيْرُ الْمُنْزِلِينَ﴾ [المؤمنون: ٢٩] قل ابن عباس: يريد من السفينة.
ولذلك قيل له: ﴿اهْبِطْ بِسَلامٍ مِنَّا وَبَركَاتٍ عَلَيْكَ﴾ [هود: ٤٨] وهذا جواب دعائه ﴿إِنَّ فِي ذَلِكَ﴾ [المؤمنون: ٣٠] يعني: في أمر نوح والسفينة وهلاك أعداء الله، ﴿لآيَاتٍ﴾ [المؤمنون: ٣٠] لدلالات على قدرة الله ووحدانيته، ﴿وَإِنْ كُنَّا لَمُبْتَلِينَ﴾ [المؤمنون: ٣٠] وما كنا إلا مختبرين إياهم بإرسال نوح، ووعظه وتذكيره.
وقوله: ﴿ثُمَّ أَنْشَأْنَا مِنْ بَعْدِهِمْ قَرْنًا آخَرِينَ {٣١﴾ فَأَرْسَلْنَا فِيهِمْ رَسُولا مِنْهُمْ أَنِ اعْبُدُوا اللَّهَ مَا لَكُمْ مِنْ إِلَهٍ غَيْرُهُ أَفَلا تَتَّقُونَ ﴿٣٢﴾ وَقَالَ الْمَلأُ مِنْ قَوْمِهِ الَّذِينَ كَفَرُوا وَكَذَّبُوا بِلِقَاءِ الآخِرَةِ وَأَتْرَفْنَاهُمْ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا مَا هَذَا إِلا بَشَرٌ مِثْلُكُمْ يَأْكُلُ مِمَّا تَأْكُلُونَ مِنْهُ وَيَشْرَبُ مِمَّا تَشْرَبُونَ ﴿٣٣﴾ وَلَئِنْ أَطَعْتُمْ بَشَرًا مِثْلَكُمْ إِنَّكُمْ إِذًا لَخَاسِرُونَ ﴿٣٤﴾ أَيَعِدُكُمْ أَنَّكُمْ إِذَا مِتُّمْ وَكُنْتُمْ تُرَابًا وَعِظَامًا أَنَّكُمْ مُخْرَجُونَ ﴿٣٥﴾ هَيْهَاتَ هَيْهَاتَ لِمَا تُوعَدُونَ ﴿٣٦﴾ إِنْ هِيَ إِلا حَيَاتُنَا الدُّنْيَا نَمُوتُ وَنَحْيَا وَمَا نَحْنُ بِمَبْعُوثِينَ ﴿٣٧﴾ إِنْ هُوَ إِلا رَجُلٌ افْتَرَى عَلَى اللَّهِ كَذِبًا وَمَا نَحْنُ لَهُ بِمُؤْمِنِينَ ﴿٣٨﴾ قَالَ رَبِّ انْصُرْنِي بِمَا كَذَّبُونِ ﴿٣٩﴾ قَالَ عَمَّا قَلِيلٍ لَيُصْبِحُنَّ نَادِمِينَ ﴿٤٠﴾ فَأَخَذَتْهُمُ الصَّيْحَةُ بِالْحَقِّ فَجَعَلْنَاهُمْ غُثَاءً فَبُعْدًا لِلْقَوْمِ الظَّالِمِينَ ﴿٤١﴾ ثُمَّ أَنْشَأْنَا مِنْ بَعْدِهِمْ قُرُونًا آخَرِينَ ﴿٤٢﴾ مَا تَسْبِقُ مِنْ أُمَّةٍ أَجَلَهَا وَمَا يَسْتَأْخِرُونَ ﴿٤٣﴾ } [المؤمنون: ٣١-٤٣] ﴿ثُمَّ أَنْشَأْنَا مِنْ بَعْدِهِمْ قَرْنًا آخَرِينَ﴾ [المؤمنون: ٣١] يعني: عادا قوم هود، ﴿فَأَرْسَلْنَا فِيهِمْ رَسُولا مِنْهُمْ﴾ [المؤمنون: ٣٢] هودا، وما بعد هذا ظاهر إلى قوله: ﴿أَيَعِدُكُمْ﴾ [المؤمنون: ٣٥]، ﴿أَنَّكُمْ مُخْرَجُونَ﴾ [المؤمنون: ٣٥] قال الزجاج: أنكم موضعها نصب على معنى أيعدكم أنكم مخرجون إذا متم، فلما طال الكلام أعيد ذكرانه، كما قال عز وجل: ﴿أَلَمْ يَعْلَمُوا أَنَّهُ مَنْ يُحَادِدِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَأَنَّ لَهُ نَارَ جَهَنَّمَ﴾ [التوبة: ٦٣] المعنى: فله نار جهنم.
﴿هَيْهَاتَ هَيْهَاتَ لِمَا تُوعَدُونَ﴾ [المؤمنون: ٣٦] بعد الأمر جدا حتى امتنع، وهو اسم سمي به الفعل، وهو بعد كما قالوا: صه بمعنى اسكت، ومه بمعنى لا تفعل وليس له اشتقاق، وفيه ضمير يقع عائد إلى قوله: إنكم مخرجون الذي هو بمعنى الإخراج، والتقدير هيهات هو، أي الإخراج، والمعنى: بعد إخراجكم للوعد الذي توعدون وهو بعد الموت، استبعد أعداء الله إخراجهم ونشرهم لما كانت العدة به بعد الموت إغفالا منهم للتفكير في قوله: ﴿قُلْ يُحْيِيهَا الَّذِي أَنْشَأَهَا أَوَّلَ مَرَّةٍ﴾ [يس: ٧٩] قال ابن عباس في هذه الآية: ينفون أن ذلك لا يكون.
وقال الكلبي: يقولون: بعيد بعيد ما وعدكم ليوم البعث.
قال أبو عمرو بن العلاء: إذا وقفت فقل هيهاه.
يدل على هذا ما


الصفحة التالية
Icon