من الحجارة والخشب وغير ذلك، ليضلوا الناس عن دين الله، وقرأ ابن كثير، وأبو عمرو بفتح الياء، والمعنى أنهم لم ينتفعوا بما اتخذوا من الأنداد، ولم يتخذوها إلا ليزيغوا عن الطريق المستقيم، وهذه لام العاقبة، ثم أوعدهم، فقال: ﴿قُلْ تَمَتَّعُوا فَإِنَّ مَصِيرَكُمْ إِلَى النَّارِ﴾ [إبراهيم: ٣٠] قال ابن عباس في هذه الآية: لو صار الكافر مريضا سقيما لا ينام ليلا ولا نهارا، جائعا لا يجد ما يأكل ويشرب، لكان هذا كله نعيما يتمتع به القياس إلى ما يصير إليه من شدة العذاب، ولو كان المؤمن في الدنيا في أنعم عيشه، لكان بؤسا عندما يصير إليه من نعيم الآخرة.
قوله: ﴿قُلْ لِعِبَادِيَ الَّذِينَ آمَنُوا يُقِيمُوا الصَّلاةَ وَيُنْفِقُوا مِمَّا رَزَقْنَاهُمْ سِرًّا وَعَلانِيَةً مِنْ قَبْلِ أَنْ يَأْتِيَ يَوْمٌ لا بَيْعٌ فِيهِ وَلا خِلالٌ﴾ [إبراهيم: ٣١] ﴿قُلْ لِعِبَادِيَ الَّذِينَ آمَنُوا يُقِيمُوا الصَّلاةَ﴾ [إبراهيم: ٣١] معناه: قل لهم أقيموا الصلاة، فصرف عن لفظ الأمر إلى لفظ الخبر، وجعل كالجواب للأمر، وهذه الآية أمر للمؤمنين بعبادة الله من الصلاة والإنفاق في وجوه البر قبل يوم القيامة، وهو قوله: ﴿مِنْ قَبْلِ أَنْ يَأْتِيَ يَوْمٌ لا بَيْعٌ فِيهِ وَلا خِلالٌ﴾ [إبراهيم: ٣١] قال أبو عبيدة: البيع ههنا الفداء، والخلال: المخالة.
قال مقاتل: ذلك يوم لا بيع فيه ولا شراء ولا مخالة ولا قرابة، إنما هي أعمال، يثاب بها قوم، ويعاقب عليها آخرون.
والخلال: فعال من المخالة، وهو مصدر الخليل، هذا قول جميع أهل اللغة.
وقال أبو علي الفارسي: ويجوز أن يكون جمع خلة، مثل برمة وبرام، وعلبة وعلاب.
وما بعد هذا ظاهر إلى قوله: ﴿اللَّهُ الَّذِي خَلَقَ السَّمَوَاتِ وَالأَرْضَ وَأَنْزَلَ مِنَ السَّمَاءِ مَاءً فَأَخْرَجَ بِهِ مِنَ الثَّمَرَاتِ رِزْقًا لَكُمْ وَسَخَّرَ لَكُمُ الْفُلْكَ لِتَجْرِيَ فِي الْبَحْرِ بِأَمْرِهِ وَسَخَّرَ لَكُمُ الأَنْهَارَ {٣٢﴾ وَسَخَّرَ لَكُمُ الشَّمْسَ وَالْقَمَرَ دَائِبَيْنِ وَسَخَّرَ لَكُمُ اللَّيْلَ وَالنَّهَارَ ﴿٣٣﴾ وَآتَاكُمْ مِنْ كُلِّ مَا سَأَلْتُمُوهُ وَإِنْ تَعُدُّوا نِعْمَتَ اللَّهِ لا تُحْصُوهَا إِنَّ الإِنْسَانَ لَظَلُومٌ كَفَّارٌ ﴿٣٤﴾ } [إبراهيم: ٣٢-٣٤] ﴿وَسَخَّرَ لَكُمُ الأَنْهَارَ﴾ [إبراهيم: ٣٢] أي: ذللها لكم بالركوب والإجراء إلى حيث تريدون.
﴿وَسَخَّرَ لَكُمُ الشَّمْسَ وَالْقَمَرَ﴾ [إبراهيم: ٣٣] لتنتفعوا بهما، وتستضيئوا بضوئهما، ﴿دَائِبَيْنِ﴾ [إبراهيم: ٣٣] في إصلاح ما يصلحانه من النبات وغيره، لا يفتران، ومعنى الدءوب مرور الشيء في العمل على عادة جارية فيه، ﴿وَسَخَّرَ لَكُمُ اللَّيْلَ﴾ [إبراهيم: ٣٣] لتسكنوا فيه، راحة لأبدانكم، والنهار لتبتغوا فيه من فضله.
﴿وَآتَاكُمْ مِنْ كُلِّ مَا سَأَلْتُمُوهُ﴾ [إبراهيم: ٣٤] مفعول الإيتاء محذزف بتقدير من كل ما سألتموه مسئولا أو شيئا، ويجوز أن يكون من زيادة، والمعنى: وآتاكم كل ما سألتموه، وقال ابن الأنباري: تقدير الآية وأتاكم من كل ما سألتموه وما لم تسألوه، لأنا لم نسأله شمسا ولا قمرا، ولا كثير من نعمة التي ابتدأنا بها.
وكان قتادة يقرأ ﴿مِنْ كُلِّ مَا سَأَلْتُمُوهُ﴾ [إبراهيم: ٣٤] قال: لم تسألوه كل الذي آتاكم.
﴿وَإِنْ تَعُدُّوا نِعْمَتَ اللَّهِ﴾ [إبراهيم: ٣٤] أي: إنعامه، والنعمة ههنا