وقوله:] فَأُولَئِكَ هُمُ الْفَائِزُونَ} [سورة النور: ٥٢] يعني: المطيعين لله ورسوله، الخائفين المتقين الذين قالوا ما طالبوا من رضا الله، وقيل جنته، ولما بين الله كراهتهم لحكمه، قالوا للنبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: والله لو أمرتنا بالجهاد والخروج من ديارنا وأموالنا لخرجنا.
فقال الله: ﴿وَأَقْسَمُوا بِاللَّهِ جَهْدَ أَيْمَانِهِمْ لَئِنْ أَمَرْتَهُمْ لَيَخْرُجُنَّ قُلْ لا تُقْسِمُوا طَاعَةٌ مَعْرُوفَةٌ إِنَّ اللَّهَ خَبِيرٌ بِمَا تَعْمَلُونَ {٥٣﴾ قُلْ أَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ فَإِنْ تَوَلَّوْا فَإِنَّمَا عَلَيْهِ مَا حُمِّلَ وَعَلَيْكُمْ مَا حُمِّلْتُمْ وَإِنْ تُطِيعُوهُ تَهْتَدُوا وَمَا عَلَى الرَّسُولِ إِلا الْبَلاغُ الْمُبِينُ ﴿٥٤﴾ } [النور: ٥٣-٥٤] ﴿وَأَقْسَمُوا بِاللَّهِ جَهْدَ أَيْمَانِهِمْ لَئِنْ أَمَرْتَهُمْ لَيَخْرُجُنَّ﴾ [النور: ٥٣] إلى الجهاد، ﴿قُلْ لا تُقْسِمُوا﴾ [النور: ٥٣] لا تحلفوا، وتم الكلام، ثم قال: ﴿طَاعَةٌ مَعْرُوفَةٌ﴾ [النور: ٥٣] أي: طاعة حسنة للنبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بنيه خالصة، قال مقاتل بن سليمان: معناه ليكن منكم طاعة.
وقال الزجاج: تأويله طاعة معروفة أحسن من قسمكم بما لا تصدقون فيه، فحذف خبر الابتداء للعلم به.
وقوله: ﴿إِنَّ اللَّهَ خَبِيرٌ بِمَا تَعْمَلُونَ﴾ [النور: ٥٣] أي: من طاعتكم بالقول ومخالفتكم بالفعل.
ثم أمرهم بالطاعة، فقال: ﴿قُلْ أَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ﴾ [النور: ٥٤] ثم خاطبهم، فقال: ﴿فَإِنْ تَوَلَّوْا﴾ [النور: ٥٤] أي تتولوا، فحذف إحدى التائين، أي قال: تعرضوا عن طاعتهما.
﴿فَإِنَّمَا عَلَيْهِ﴾ [النور: ٥٤] على الرسول، ﴿مَا حُمِّلَ﴾ [النور: ٥٤] من التبليغ وأداء الرسالة، ﴿وَعَلَيْكُمْ مَا حُمِّلْتُمْ﴾ [النور: ٥٤] من الطاعة، ﴿وَإِنْ تُطِيعُوهُ تَهْتَدُوا﴾ [النور: ٥٤] تصيبوا الحق، ﴿وَمَا عَلَى الرَّسُولِ إِلا الْبَلاغُ الْمُبِينُ﴾ [النور: ٥٤] ليس عليه إلا أن يبلغ ويبين لكم.
وقوله: ﴿وَعَدَ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنْكُمْ وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ لَيَسْتَخْلِفَنَّهُمْ فِي الأَرْضِ كَمَا اسْتَخْلَفَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ وَلَيُمَكِّنَنَّ لَهُمْ دِينَهُمُ الَّذِي ارْتَضَى لَهُمْ وَلَيُبَدِّلَنَّهُمْ مِنْ بَعْدِ خَوْفِهِمْ أَمْنًا يَعْبُدُونَنِي لا يُشْرِكُونَ بِي شَيْئًا وَمَنْ كَفَرَ بَعْدَ ذَلِكَ فَأُولَئِكَ هُمُ الْفَاسِقُونَ﴾ [النور: ٥٥] ﴿وَعَدَ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنْكُمْ وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ لَيَسْتَخْلِفَنَّهُمْ فِي الأَرْضِ كَمَا اسْتَخْلَفَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ وَلَيُمَكِّنَنَّ لَهُمْ دِينَهُمُ الَّذِي ارْتَضَى لَهُمْ﴾ [النور: ٥٥] قال أبي بن كعب: لما قدم رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وأصحابه المدينة آوتهم الأنصار ومنهم العرب عن قوس واحده، وكانوا لا يبيتون إلا مع السلاح، ولا يصبحون إلا فيه، فقالوا: أترون أنا نعيش حتى نبيت آمنين مطمئنين لا نخاف إلا الله، فنزلت هذه الآية.
وقوله: ﴿لَيَسْتَخْلِفَنَّهُمْ﴾ [النور: ٥٥] أي: ليجعلنهم يخلفون من قبلهم، والمعنى: ليورثنهم أرض الكفار من العرب والعجم فيجعلهم ملوكها وساستها وسكانها.
وقوله: ﴿كَمَا اسْتَخْلَفَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ﴾ [النور: ٥٥] قال مقاتل: يعني بني إسرائيل إذا أهلت الجبابرة بمصر