يَأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لِيَسْتَأْذِنْكُمُ} [النور: ٥٨] أي: في الدخول عليكم، ﴿الَّذِينَ مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ﴾ [النور: ٥٨] يعني: العبيد والإماء، قال عطاء: ذلك على كل كبير وصغير.
﴿وَالَّذِينَ لَمْ يَبْلُغُوا الْحُلُمَ مِنْكُمْ﴾ [النور: ٥٨] من أحراركم من الرجال والنساء، ﴿ثَلاثَ مَرَّاتٍ﴾ [النور: ٥٨] يعني: ثلاثة أوقات، ثم فسرها، فقال: ﴿مِنْ قَبْلِ صَلاةِ الْفَجْرِ﴾ [النور: ٥٨] وذلك أن الإنسان ربما يبيت عريانا، أو على حال لا يحب أن يراه غيره في تلك الحال، ﴿وَحِينَ تَضَعُونَ ثِيَابَكُمْ مِنَ الظَّهِيرَةِ﴾ [النور: ٥٨] يريد المقيل، ﴿وَمِنْ بَعْدِ صَلاةِ الْعِشَاءِ﴾ [النور: ٥٨] حين يأوي الرجل إلى امرأته ويخلو بها، أمر الله بالاستئذان في الأوقات التي يتخلى فيها الناس ويتكشفون.
وفصلها ثم أجملها بعد التفصيل، فقال: ﴿ثَلاثُ عَوْرَاتٍ لَكُمْ﴾ [النور: ٥٨] أي: هذه الأوقات ثلاث عورات لكم، وسمى هذه الأوقات عورات لأن الإنسان يضع فيها ثيابه فتبدوا عوراته.
ومن قرأ ثلاث عورات بالنصب جعله بدلا من قوله: ﴿ثَلاثَ مَرَّاتٍ﴾ [النور: ٥٨]، قال السدي: كان أناس من الصحابة يعجبهم أن يوافقوا نساءهم في هذه الساعات ليغتسلوا، ثم يخرجون إلى الصلاة، فأخبرهم الله أن يأمروا الغلمان والمملوكين أن يستأذنوا في هذه الساعات الثلاثة.
قال موسى بن أبي عائشة: قلت للشعبي في هذه الآية: أمنسوخة هي؟ قال: لا.
قلت: قد تركها الناس؟ قال: الله المستعان.
وقوله: ﴿لَيْسَ عَلَيْكُمْ﴾ [النور: ٥٨] يعني: المؤمنين الأحرار، ﴿وَلا عَلَيْهِمْ﴾ [النور: ٥٨] يعني: الخدم والغلمان، جُنَاح حرج، ﴿بَعْدَهُنَّ﴾ [النور: ٥٨] بعد مضي هذه الأوقات لا حرج في أن لا تستأذنوا في غير هذه الأوقات، ﴿طَوَّافُونَ عَلَيْكُمْ﴾ [النور: ٥٨] يريد أنهم خدمكم، فلا بأس أن يدخلوا في غير هذه الأوقات بغير إذن، قال مقاتل: ينقلبون فيكم ليلا ونهارا.
﴿بَعْضُكُمْ عَلَى بَعْضٍ﴾ [النور: ٥٨] أن يطوف بعضكم، وهو المماليك، على بعض، وهم الموالي.
قوله: ﴿وَإِذَا بَلَغَ الأَطْفَالُ مِنْكُمُ الْحُلُمَ﴾ [النور: ٥٩] يعني: من الأحرار، ﴿فَلْيَسْتَأْذِنُوا﴾ [النور: ٥٩] أي: في جميع الأوقات في الدخول عليكم، فالبالغ يستأذن في كل الأوقات، والطفل والمملوك يستأذنان في الثلاث عورات، وقوله: ﴿كَمَا اسْتَأْذَنَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ﴾ [النور: ٥٩] يعني: الأحرار الكبار الذين أمروا بالاستئذان على كل حال، قال سعيد بن المسيب: ليستأذن الرجل على أمه، فإنما أنزلت هذه الآية في ذلك.
قوله: ﴿وَالْقَوَاعِدُ مِنَ النِّسَاءِ﴾ [النور: ٦٠] يعني اللاتي قعدن عن الحيض والولد من الكبر، قال الزجاج: القاعدة التي قعدت عن التزوج، وهذا معنى قوله: ﴿اللَّاتِي لا يَرْجُونَ نِكَاحًا﴾ [النور: ٦٠] قال السدي: هن اللاتي تركن الأزواج وكبرن.
﴿فَلَيْسَ عَلَيْهِنَّ جُنَاحٌ أَنْ يَضَعْنَ ثِيَابَهُنَّ﴾ [النور: ٦٠] يعني: الجلباب والرداء والقناع الذي فوق الخمار، والمراد بالثياب ههنا ما ذكر لا كل الثياب، وقوله: ﴿غَيْرَ مُتَبَرِّجَاتٍ بِزِينَةٍ﴾ [النور: ٦٠] التبرج أن تظهر المرأة محاسنها من وجهها وجسدها من غير أن يدن بوضع الجلباب أن ترى زينتهن.
قال مقاتل: لها أن تضع الجلباب، ترى بذلك أن تظهر قلائدها وقرطها وما عليها من الزينة.
ثم قال: ﴿وَأَنْ يَسْتَعْفِفْنَ﴾ [النور: ٦٠] فلا يضعن الجلباب، ﴿خَيْرٌ لَهُنَّ وَاللَّهُ سَمِيعٌ﴾ [النور: ٦٠] لقولكم، عَلِيمٌ بما في قلوبهم.


الصفحة التالية
Icon