الرسول بشر يأكل الطعام ويمشي في الطريق كما يمشي سائر الناس، يطلب المعيشة، والمعنى أنه ليس يملك ولا ملك، وذلك أن الملائكة لا يأكلون ولا يشربون، والملوك لا يتسوقون ولا يتبدلون، فعجبوا من ذلك أن يكون مثلهم في الحال لا يمتاز من بينهم بعلو المحل والجلال، والله أعلم حيث يجعل رسالته.
وقوله: ﴿لَوْلا أُنْزِلَ إِلَيْهِ مَلَكٌ فَيَكُونَ مَعَهُ نَذِيرًا﴾ [الفرقان: ٧] وذلك أنهم قالوا للنبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: سل ربك أن ينزل معك ملكا يصدقك بما تقول حتى نعرف فضلك ومنزلتك من ربك إن كنت رسولا، ويجعل لك جنانا وكنوزا يغنيك بها عن طلب المعاش.
وهو قوله: ﴿أَوْ يُلْقَى إِلَيْهِ كَنْزٌ﴾ [الفرقان: ٨] قال ابن عباس، ومقاتل: أو ينزل إليه مال من السماء.
﴿أَوْ تَكُونُ لَهُ جَنَّةٌ﴾ [الفرقان: ٨] بستان، ﴿يَأْكُلُ مِنْهَا﴾ [الفرقان: ٨] من ثمارها، من قرأ بالنون أراد أنه يكون له بذلك مزية علينا في الفضل بأن نأكل من جنته، ﴿وَقَالَ الظَّالِمُونَ﴾ [الفرقان: ٨] المشركون للمؤمنين، ﴿إِنْ تَتَّبِعُونَ إِلا رَجُلا مَسْحُورًا﴾ [الفرقان: ٨] ما تتبعون إلا مخدوعا مغلوبا على عقله.
﴿انْظُرْ﴾ [الفرقان: ٩] يا محمد، ﴿كَيْفَ ضَرَبُوا لَكَ الأَمْثَالَ﴾ [الفرقان: ٩] يعني: حين مثلوه بالمسحور وبالمحتاج المتروك والناقص عن القيام بالأمور، ﴿فَضَلُّوا﴾ [الفرقان: ٩] بهذا يعني الهدى، ﴿فَلا يَسْتَطِيعُونَ سَبِيلا﴾ [الفرقان: ٩] لا يجدون إلى الحق طريقا، وقال مقاتل: لا يجدون مخرجا مما قالوا.
يعني أنهم كذبوا فيما زعموا فلزمهم ذلك الكذب، ولم يجدوا منه مخرجا، حجة أو برهان.
ثم أخبر الله تعالى أنه لو شاء لأعطى نبيه صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ من الدنيا خيرا مما قالوا، فقال تبارك وتعالى: ﴿تَبَارَكَ الَّذِي إِنْ شَاءَ جَعَلَ لَكَ خَيْرًا مِنْ ذَلِكَ﴾ [الفرقان: ١٠] الذي قالوا أو أفضل من الكنز والبستان الذي ذكروا، وهو قوله: ﴿جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الأَنْهَارُ﴾ [الفرقان: ١٠] يعني: في الدنيا، لأنه قد شاء أن يعطيه إياها في الآخرة، وقوله: ﴿وَيَجْعَلْ لَكَ قُصُورًا﴾ [الفرقان: ١٠] من قرأ بالجزم كان المعنى: إن شاء يجعل لك قصورا، قال الزجاج: أي سيعطيك الله في الآخرة أكثر مما قالوا.
ثم أخبر عن تكذيبهم بالبعث، وأوعدهم على ذلك بالنار، فقال: ﴿بَلْ كَذَّبُوا بِالسَّاعَةِ وَأَعْتَدْنَا لِمَنْ كَذَّبَ بِالسَّاعَةِ سَعِيرًا﴾ [الفرقان: ١١] نارا تتلظى.
ثم وصف ذلك السعير، فقال: ﴿إِذَا رَأَتْهُمْ مِنْ مَكَانٍ بَعِيدٍ﴾ [الفرقان: ١٢] قال الكلبي، والسدي، ومقاتل: من مسيرة مائة عام.
﴿سَمِعُوا لَهَا تَغَيُّظًا﴾ [الفرقان: ١٢] أي: صوت تغيظ كالغضبان إذا غلا صدره من الغيظ، وهو الغضب ﴿وَزَفِيرًا﴾ [الفرقان: ١٢] قال عبيد بن عمير: إن جهنم لتذفر زفرة لا يبقى نبي ولا ملك مقرب إلا خر لوجهه.
﴿وَإِذَا أُلْقُوا مِنْهَا﴾ [الفرقان: ١٣] من جهنم، ﴿مَكَانًا ضَيِّقًا﴾ [الفرقان: ١٣] قال المفسرون: يضيق عليهم كما يضيق الزج في الرمح.
وقال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ في هذه الآية: «والذي نفسي بيده إنهم يستكرهون في النار كما يستكره الوتد في الحائط».
﴿مُقَرَّنِينَ﴾ [الفرقان: ١٣] قال مقاتل: موثقين في الحديد، قرنوا مع الشياطين، ﴿دَعَوْا هُنَالِكَ ثُبُورًا﴾ [الفرقان: ١٣] دعوا بالويل على أنفسهم والهلاك، كما يقول القائل: