﴿أَلَمْ تَرَ إِلَى رَبِّكَ كَيْفَ مَدَّ الظِّلَّ وَلَوْ شَاءَ لَجَعَلَهُ سَاكِنًا ثُمَّ جَعَلْنَا الشَّمْسَ عَلَيْهِ دَلِيلا {٤٥﴾ ثُمَّ قَبَضْنَاهُ إِلَيْنَا قَبْضًا يَسِيرًا ﴿٤٦﴾ وَهُوَ الَّذِي جَعَلَ لَكُمُ اللَّيْلَ لِبَاسًا وَالنَّوْمَ سُبَاتًا وَجَعَلَ النَّهَارَ نُشُورًا ﴿٤٧﴾ } [الفرقان: ٤٥-٤٧] قوله: ﴿أَلَمْ تَرَ إِلَى رَبِّكَ كَيْفَ مَدَّ الظِّلَّ﴾ [الفرقان: ٤٥] قال مقاتل: ألم تر إلى فعل ربك، ثم حذف المضاف.
وقال الزجاج: ألم تر ألم تعلم، وهذا من رؤية القلب.
وذكر أن هذا على القلب بتقدير ألم تر إلى الظل كيف مده ربك، يعني: الظل من وقت الإسفار إلى طلوع الشمس، وهو ظل لا شمس معه، فهو ظل ممدود.
﴿وَلَوْ شَاءَ﴾ [الفرقان: ٤٥] الله، ﴿لَجَعَلَهُ سَاكِنًا﴾ [الفرقان: ٤٥] دائما لا يزول ولا تنسخه الشمس، ومعنى ساكنا: مقيما، كما يقال فلان: يسكن بلد كذا إذا قام به.
وقوله: ﴿ثُمَّ جَعَلْنَا الشَّمْسَ عَلَيْهِ دَلِيلا﴾ [الفرقان: ٤٥] قال ابن عباس: تدل الشمس على الظل، يعني أنه لولا الشمس لما عرف الظل، ولولا النور لما عرفت الظلمة، فكل الأشياء تعرف بأضدادها.
وقوله: ﴿ثُمَّ قَبَضْنَاهُ إِلَيْنَا قَبْضًا يَسِيرًا﴾ [الفرقان: ٤٦] قال الكلبي: إذا طلعت الشمس قبض الله الظل قبضا خفيا.
والمعنى: ثم جمعنا أجزاء الظل المنبسط بتسليط الشمس عليه حتى تنسخه شيئا فشيئا.
قوله: ﴿وَهُوَ الَّذِي جَعَلَ لَكُمُ اللَّيْلَ لِبَاسًا﴾ [الفرقان: ٤٧] يعني أن ظلمته تلبس كل شخص وتغشاه كاللباس الذي يشتمل على لابسه، والله تعالى ألبسنا الليل وغشاناه لنسكن فيه، كما قال: ﴿هُوَ الَّذِي جَعَلَ لَكُمُ اللَّيْلَ لِتَسْكُنُوا فِيهِ﴾ [يونس: ٦٧] وقوله: ﴿وَالنَّوْمَ سُبَاتًا﴾ [الفرقان: ٤٧] قال الزجاج: السبات أن تنقطع عن الحركة والروح في يديه.
أي: جعلنا نومكم راحة لكم.
﴿وَجَعَلَ النَّهَارَ نُشُورًا﴾ [الفرقان: ٤٧] قال ابن عباس، ومقاتل: ينتشرون فيه لابتغاء الرزق.
والنشور ههنا معناه التفرق والانبساط في التصرف.
﴿وَهُوَ الَّذِي أَرْسَلَ الرِّيَاحَ بُشْرًا بَيْنَ يَدَيْ رَحْمَتِهِ وَأَنْزَلْنَا مِنَ السَّمَاءِ مَاءً طَهُورًا {٤٨﴾ لِنُحْيِيَ بِهِ بَلْدَةً مَيْتًا وَنُسْقِيَهُ مِمَّا خَلَقْنَا أَنْعَامًا وَأَنَاسِيَّ كَثِيرًا ﴿٤٩﴾ وَلَقَدْ صَرَّفْنَاهُ بَيْنَهُمْ لِيَذَّكَّرُوا فَأَبَى أَكْثَرُ النَّاسِ إِلا كُفُورًا ﴿٥٠﴾ } [الفرقان: ٤٨-٥٠] ﴿وَهُوَ الَّذِي أَرْسَلَ الرِّيَاحَ بُشْرًا بَيْنَ يَدَيْ رَحْمَتِهِ﴾ [الفرقان: ٤٨] سبق الكلام فيه في ﴿ [الأعراف وقوله:] وَأَنْزَلْنَا مِنَ السَّمَاءِ مَاءً طَهُورًا﴾ [سورة الفرقان: ٤٨] قال الأزهري: الطهور في اللغة الطاهر المطهر، والطهور ما يتطهر به، كالوضوء الذي يتوضأ به، والفطور ما يفطر عليه، ومنه الحديث: «هو الطهور ماؤه».
قال ابن عباس: يريد المطر.
وقال مقاتل: طهورا للمؤمنين.
﴿لِنُحْيِيَ بِهِ بَلْدَةً مَيْتًا﴾ [الفرقان: ٤٩] لنحيي بالمطر بلدة ليس فيها نبت، قال ابن عباس: لنخرج به النبات والثمار، وإنما قال ميتا لأنه أريد بالبلدة المكان.
﴿وَنُسْقِيَهُ مِمَّا خَلَقْنَا أَنْعَامًا﴾ [الفرقان: ٤٩] أي: ونسقي من ذلك الماء أنعاما وبشرا كثيرا، وهو قوله: ﴿وَأَنَاسِيَّ كَثِيرًا﴾ [الفرقان: ٤٩] واحدها إنس.
﴿وَلَقَدْ صَرَّفْنَاهُ بَيْنَهُمْ﴾ [الفرقان: ٥٠] أي: صرفنا الماء المنزل من السماء مرة لبلدة ومرة لبلدة أخرى.
قال ابن عباس: ما عام بأمطر من عام، ولكن الله يصرفه في الأرض.
ثم قرأ هذه الآية، وهذا كما روي أن النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قال: «ما من سنة بأمطر من أخرى ولكن إذا عمل قوم


الصفحة التالية
Icon