قَالَ: فَإِنِّي نَذِيرٌ لَكُمْ بَيْنَ يَدَيْ عَذَابٍ شَدِيدٍ، فَقَالَ أَبُو لَهَبٍ: تَبًّا لَكَ، أَلِهَذَا دَعَوْتَنَا جَمِيعًا؟ فَأَنْزَلَ اللَّهُ: تَبَّتْ يَدَا أَبِي لَهَبٍ وَتَبَّ إِلَى آخِرِهَا، رَوَاهُ مُسْلِمٌ، عَنْ أَبِي كُرَيْبٍ، وَرَوَاهُ الْبُخَارِيُّ، عَنْ عُمَرَ بْنِ حَفْصِ بْنِ غِيَاثٍ، عَنْ أَبِيهِ، عَنِ الأَعْمَشِ
قوله: ﴿وَاخْفِضْ جَنَاحَكَ﴾ [الشعراء: ٢١٥] ألن جانبك، ﴿لِمَنِ اتَّبَعَكَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ﴾ [الشعراء: ٢١٥] قال ابن عباس: يريد أكرم من أتبعك من المصدقين بتوحيد الله، وألزمهم القول، أظهر لهم المحبة والكرامة.
﴿فَإِنْ عَصَوْكَ﴾ [الشعراء: ٢١٦] يعني عشيرتك، ﴿فَقُلْ إِنِّي بَرِيءٌ مِمَّا تَعْمَلُونَ﴾ [الشعراء: ٢١٦] من الكفر وعبادة غير الله.
﴿وَتَوَكَّلْ عَلَى الْعَزِيزِ الرَّحِيمِ﴾ [الشعراء: ٢١٧] فوض إليه جميع أمرك، وثق بالله العزيز في نقمته، الرحيم بهم حين لم يعجل عليهم بالعقوبة.
﴿الَّذِي يَرَاكَ حِينَ تَقُومُ﴾ [الشعراء: ٢١٨] إلى الصلاة في قول ابن عباس، ومقاتل.
وقال مجاهد: يراك حين تقوم أينما كنت.
﴿وَتَقَلُّبَكَ فِي السَّاجِدِينَ﴾ [الشعراء: ٢١٩] أي: ويرى ركوعك وسجودك وقيامك مع المصلين في الجماعة.
والمعنى: يراك إذا صليت وحدك، ويراك إذا صليت في الجماعة راكعا وساجدا وقائما، هذا قول أكثر المفسرين.
وقال ابن عباس في رواية عطاء، وعكرمة: يريد في أصلاب الموحدين، من نبي إلى نبي حتى أخرجك في هذه الأمة، وما زال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يتقلب في أصلاب الأنبياء حتى ولدته أمه.
﴿إِنَّهُ هُوَ السَّمِيعُ﴾ [الشعراء: ٢٢٠] لقولك، ﴿الْعَلِيمُ﴾ [الشعراء: ٢٢٠] بما في قلبك من الإيمان.
ثم قال لكفار مكة: ﴿هَلْ أُنَبِّئُكُمْ عَلَى مَنْ تَنَزَّلُ الشَّيَاطِينُ {٢٢١﴾ تَنَزَّلُ عَلَى كُلِّ أَفَّاكٍ أَثِيمٍ ﴿٢٢٢﴾ يُلْقُونَ السَّمْعَ وَأَكْثَرُهُمْ كَاذِبُونَ ﴿٢٢٣﴾ وَالشُّعَرَاءُ يَتَّبِعُهُمُ الْغَاوُونَ ﴿٢٢٤﴾ أَلَمْ تَرَ أَنَّهُمْ فِي كُلِّ وَادٍ يَهِيمُونَ ﴿٢٢٥﴾ وَأَنَّهُمْ يَقُولُونَ مَا لا يَفْعَلُونَ ﴿٢٢٦﴾ إِلا الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ وَذَكَرُوا اللَّهَ كَثِيرًا وَانْتَصَرُوا مِنْ بَعْدِ مَا ظُلِمُوا وَسَيَعْلَمُ الَّذِينَ ظَلَمُوا أَيَّ مُنْقَلَبٍ يَنْقَلِبُونَ ﴿٢٢٧﴾ } [الشعراء: ٢٢١-٢٢٧] ﴿هَلْ أُنَبِّئُكُمْ عَلَى مَنْ تَنَزَّلُ الشَّيَاطِينُ﴾ [الشعراء: ٢٢١].
ثم أخبر، فقال: ﴿تَنَزَّلُ عَلَى كُلِّ أَفَّاكٍ أَثِيمٍ﴾ [الشعراء: ٢٢٢] على كل كذاب فاجر، قال قتادة: هم الكهنة، تسترق الجن السمع، ثم يأتون إلى أوليائهم من الإنس.
وهو قوله: ﴿يُلْقُونَ السَّمْعَ﴾ [الشعراء: ٢٢٣] أي: يلقون ما سمعوه إلى الكهنة، ﴿وَأَكْثَرُهُمْ كَاذِبُونَ﴾ [الشعراء: ٢٢٣] لأنهم يخلطون به كذبا كثيرا، وهذا كان قبل أن يوحى إلى النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وبعد ذلك فمن يستمع الآن يجد له شهابا رصدا.
قوله: ﴿وَالشُّعَرَاءُ﴾ [الشعراء: ٢٢٤] قال ابن عباس: يريد شعراء المشركين.
وذكر مقاتل أسماءهم، فقال: منهم عبد الله بن الزبعري السهمي، وأبو سفيان بن الحارث بن المطلب، وهبيرة بن أبي وهب المخزومي، ومسافع بن عبد مناف الجمحي، وأبو عزة عمرو بن عبد الله، كلهم من قريش، وأمية بن أبي الصلب الثقفي، تكلموا بالكذب والباطل، وقالوا: نحن نقول مثل ما قال محمد.
وقالوا الشعر، واجتمع إليهم غواة من قومهم يستمعون أشعارهم ويرددون عنهم حين يهجون النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وأصحابه.
فذلك قوله: ﴿يَتَّبِعُهُمُ الْغَاوُونَ﴾ [الشعراء: ٢٢٤] يعني: الذين يرددون هجاء المسلمين،