بالمعصية، ﴿ثُمَّ بَدَّلَ حُسْنًا﴾ [النمل: ١١] أي: توبة وندما، بعد سوء عمله، وفي هذا إشارة إلى أن موسى، وإن ظلم نفسه بقتل القبطي وخاف من ذلك، فإن الله يغفر له لأنه ندم على ذنب وتاب عنه حين قال: ﴿رَبِّ إِنِّي ظَلَمْتُ نَفْسِي فَاغْفِرْ لِي فَغَفَرَ لَهُ﴾ [القصص: ١٦] وهذا من الاستثناء المنقطع، والمعنى: لكن من ظلم ثم تاب ﴿فَإِنِّي غَفُورٌ رَحِيمٌ﴾ [النمل: ١١] إني لا يخاف لدي الأنبياء والتائبون، وقوم يقولون: إلا ههنا بمعنى ولا كأنه، قال: ولا يخاف لدي المرسلون، ولا من ظلم ثم بدل حسنا بعد سوء.
ثم أراه آية أخرى، فقال: ﴿وَأَدْخِلْ يَدَكَ فِي جَيْبِكَ﴾ [النمل: ١٢] الجيب: حيث جيب من القميص، أي قطع من الجيب، قال ابن عباس: كانت عليه جبة زربقانية من صوف، كماها إلى مرفقيه، ولم يكن لها أزرار، وأدخل يده في جيبها فأخرجها وإذا هي تبرق مثل البرق.
فذلك قوله: ﴿تَخْرُجْ بَيْضَاءَ مِنْ غَيْرِ سُوءٍ﴾ [النمل: ١٢] من غير برص.
﴿فِي تِسْعِ آيَاتٍ﴾ [النمل: ١٢] وقد فسرناها في ﴿ [بني إسرائيل،] إِلَى فِرْعَوْنَ وَقَوْمِهِ﴾ [سورة النمل: ١٢] أي: مبعوثا إليهم أو مرسلا، ﴿إِنَّهُمْ كَانُوا قَوْمًا فَاسِقِينَ﴾ [النمل: ١٢] خارجين عن طاعة الله.
﴿فَلَمَّا جَاءَتْهُمْ آيَاتُنَا مُبْصِرَةً﴾ [النمل: ١٣] بينة واضحة، كقوله: ﴿وَآتَيْنَا ثَمُودَ النَّاقَةَ مُبْصِرَةً﴾ [الإسراء: ٥٩] وقد مر.
قالوا هذا أي: هذا الذي نراه عيانا، ﴿سِحْرٌ مُبِينٌ {١٣﴾ وَجَحَدُوا بِهَا} [النمل: ١٣-١٤] أنكروها ولم يقروا بأنها من عند الله، واستيقنتها أنفسهم أنها من عند الله، وأنها ليست بسحر، ظلما وعلوا قال الزجاج: التقدير وجحدوا بها ظلما وعلوا.
أي شركا وتكبرا عن أن يؤمنوا بما جاء به موسى، وهم يعلمون أنها من عند الله، فانظر يا محمد، ﴿كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ الْمُفْسِدِينَ﴾ [النمل: ١٤] في الأرض بالمعاصي.
﴿وَلَقَدْ آتَيْنَا دَاوُدَ وَسُلَيْمَانَ عِلْمًا وَقَالا الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي فَضَّلَنَا عَلَى كَثِيرٍ مِنْ عِبَادِهِ الْمُؤْمِنِينَ {١٥﴾ وَوَرِثَ سُلَيْمَانُ دَاوُدَ وَقَالَ يَأَيُّهَا النَّاسُ عُلِّمْنَا مَنْطِقَ الطَّيْرِ وَأُوتِينَا مِنْ كُلِّ شَيْءٍ إِنَّ هَذَا لَهُوَ الْفَضْلُ الْمُبِينُ ﴿١٦﴾ وَحُشِرَ لِسُلَيْمَانَ جُنُودُهُ مِنَ الْجِنِّ وَالإِنْسِ وَالطَّيْرِ فَهُمْ يُوزَعُونَ ﴿١٧﴾ حَتَّى إِذَا أَتَوْا عَلَى وَادِي النَّمْلِ قَالَتْ نَمْلَةٌ يَأَيُّهَا النَّمْلُ ادْخُلُوا مَسَاكِنَكُمْ لا يَحْطِمَنَّكُمْ سُلَيْمَانُ وَجُنُودُهُ وَهُمْ لا يَشْعُرُونَ ﴿١٨﴾ فَتَبَسَّمَ ضَاحِكًا مِنْ قَوْلِهَا وَقَالَ رَبِّ أَوْزِعْنِي أَنْ أَشْكُرَ نِعْمَتَكَ الَّتِي أَنْعَمْتَ عَلَيَّ وَعَلَى وَالِدَيَّ وَأَنْ أَعْمَلَ صَالِحًا تَرْضَاهُ وَأَدْخِلْنِي بِرَحْمَتِكَ فِي عِبَادِكَ الصَّالِحِينَ ﴿١٩﴾ } [النمل: ١٥-١٩] قوله: ﴿وَلَقَدْ آتَيْنَا دَاوُدَ وَسُلَيْمَانَ عِلْمًا﴾ [النمل: ١٥] قال ابن عباس: علما بالقضاء وبكلام الطير والدواب وتسبيح الجبال.
﴿وَقَالا الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي فَضَّلَنَا﴾ [النمل: ١٥] بالنبوة والكتاب، وإلانة الحديد، وتسخير الشياطين والجن والإنس، ﴿عَلَى كَثِيرٍ مِنْ عِبَادِهِ الْمُؤْمِنِينَ {١٥﴾ وَوَرِثَ سُلَيْمَانُ دَاوُدَ} [النمل: ١٥-١٦] نبوته وعلمه وملكه، قال قتادة: كان لدواد تسعة عشر ذكرا، فورث سليمان ملكه من بينهم ونبوته.
٦٨٤ - أَخْبَرَنَا أَحْمَدُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ الطَّبَرِيُّ قِرَاءَةً عَلَيْهِ بِجُرْجَانَ، أنا أَبُو بَكْرٍ أَحْمَدُ بْنُ عَلِيِّ بْنِ إِبْرَاهِيمَ الآبَنْدُونِيُّ، أنا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ مُسْلِمٍ الْجُورَبَذِيُّ، نا دَاوُدُ بْنُ الْحُسَيْنِ الْبَيْهَقِيُّ، نا مُحَمَّدُ بْنُ سَهْلٍ السَّمَرْقَنْدِيُّ، نا إِسْحَاقُ بْنُ الصَّلْتِ، نا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عَرَادَةَ الشَّيْبَانِيُّ، عَنْ يَحْيَى بْنِ أَبِي كَثِيرٍ، عَنْ أَبِي سَلَمَةَ، عَنْ أَبِي