فَاغْفِرْ لِي فَغَفَرَ لَهُ إِنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ ﴿١٦﴾ قَالَ رَبِّ بِمَا أَنْعَمْتَ عَلَيَّ فَلَنْ أَكُونَ ظَهِيرًا لِلْمُجْرِمِينَ ﴿١٧﴾ } [القصص: ١٤-١٧] ﴿وَلَمَّا بَلَغَ أَشُدَّهُ﴾ [القصص: ١٤] قال مجاهد: ثلاثا وثلاثين سنة.
واستوى استواؤه أربعون سنة، وهو قول ابن عباس، وقتادة.
﴿آتَيْنَاهُ حُكْمًا وَعِلْمًا﴾ [القصص: ١٤] يعني: الفقه والعقل والعلم في دينه ودين آبائه، فعلم موسى وحكم قبل أن يبعث نبيا، وهذه الآية مفسرة في ﴿ [يوسف.
] وَكَذَلِكَ نَجْزِي الْمُحْسِنِينَ {١٤﴾
وَدَخَلَ الْمَدِينَةَ} [سورة القصص: ١٤-١٥] قال السدي: ركب فرعون وموسى غير شاهد، فلما جاء موسى قيل له إن فرعون قد ركب مركب في أثره، فأدركه المقيل بأرض يقال لها منف.
وهو قوله: ﴿وَدَخَلَ الْمَدِينَةَ عَلَى حِينِ غَفْلَةٍ مِنْ أَهْلِهَا﴾ [القصص: ١٥] قال ابن عباس: في الظهيرة عند المقيل، وقد خلت الطريق.
﴿فَوَجَدَ فِيهَا رَجُلَيْنِ يَقْتَتِلانِ هَذَا مِنْ شِيعَتِهِ وَهَذَا مِنْ عَدُوِّهِ﴾ [القصص: ١٥] أحدهما إسرائيلي، والآخر قبطي يسخر الإسرائيلي ليحمل حطبا إلى مطبخ فرعون، ﴿فَاسْتَغَاثَهُ الَّذِي مِنْ شِيعَتِهِ عَلَى الَّذِي مِنْ عَدُوِّهِ﴾ [القصص: ١٥] فاستنصر الإسرائيلي موسى على القبطي، فوكزه موسى الوكز: الضرب بجميع الكف.
﴿فَقَضَى عَلَيْهِ﴾ [القصص: ١٥] أي: قتله وكل شيء فرغت منه وأتممته فقد قضيت عليه وقضيته، وكان موسى شديد البطش، وكز القبطي وكزة قتله منها، وهو لا يريد قتله، ﴿قَالَ هَذَا مِنْ عَمَلِ الشَّيْطَانِ﴾ [القصص: ١٥] أي: هيج غضبي حتى ضربت هذا إنه عدو لابن آدم، مضل له، مبين عداوته، وكان ذلك قتل خطأ، لأنه لم يقصد القتل، وندم على ما فعل لأنه لم يؤمر به.
ثم استغفر، ف {قَالَ رَبِّ إِنِّي ظَلَمْتُ نَفْسِي فَاغْفِرْ لِي فَغَفَرَ لَهُ إِنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ ﴿١٦﴾ قَالَ رَبِّ بِمَا أَنْعَمْتَ عَلَيَّ} [القصص: ١٦-١٧] بالمغفرة، ﴿فَلَنْ أَكُونَ ظَهِيرًا لِلْمُجْرِمِينَ﴾ [القصص: ١٧] قال ابن عباس: عونا للكافرين.
وهذا يدل على أن الإسرائيلي الذي أعانه موسى كان كافرا، وهو قول مقاتل.
وقال قتادة: لن أعين بعدها على فجرة.
﴿فَأَصْبَحَ فِي الْمَدِينَةِ خَائِفًا يَتَرَقَّبُ فَإِذَا الَّذِي اسْتَنْصَرَهُ بِالأَمْسِ يَسْتَصْرِخُهُ قَالَ لَهُ مُوسَى إِنَّكَ لَغَوِيٌّ مُبِينٌ {١٨﴾ فَلَمَّا أَنْ أَرَادَ أَنْ يَبْطِشَ بِالَّذِي هُوَ عَدُوٌّ لَهُمَا قَالَ يَا مُوسَى أَتُرِيدُ أَنْ تَقْتُلَنِي كَمَا قَتَلْتَ نَفْسًا بِالأَمْسِ إِنْ تُرِيدُ إِلا أَنْ تَكُونَ جَبَّارًا فِي الأَرْضِ وَمَا تُرِيدُ أَنْ تَكُونَ مِنَ الْمُصْلِحِينَ ﴿١٩﴾ } [القصص: ١٨-١٩] ﴿فَأَصْبَحَ فِي الْمَدِينَةِ﴾ [القصص: ١٨] يعني: تلك المدينة التي فعل فيها ما فعل من قتل القبطي، ﴿خَائِفًا يَتَرَقَّبُ﴾ [القصص: ١٨] ينتظر سوءا يناله منهم، والترقب: انتظار المكروه، وقال الكلبي: ينتظر متى يؤخذ به.
﴿فَإِذَا الَّذِي اسْتَنْصَرَهُ بِالأَمْسِ يَسْتَصْرِخُهُ﴾ [القصص: ١٨] فإذا صاحبه الإسرائيلي الذي استنقذه بالأمس يقاتل فرعونيا يريد أن يسخره وهو يستغيث بموسى عليه السلام، والاستصراخ: الاستغاثه، ف ﴿قَالَ لَهُ مُوسَى إِنَّكَ لَغَوِيٌّ مُبِينٌ﴾ [القصص: ١٨] قال ابن عباس، ومقاتل: لمضل بين قتلت أمس بسببك رجلا وتدعوني اليوم على آخر.
وعلى هذا الغوي فعيل بمعنى المغوي، كالوجيع والأليم، ويجوز أن يكون بمعنى الغاوي، أي: إنك غاو في قتالك من لا تطيق دفع شره عنك.
ثم أقبل موسى


الصفحة التالية
Icon