نَذِيرٍ مِنْ قَبْلِكَ لَعَلَّهُمْ يَتَذَكَّرُونَ ﴿٤٦﴾ وَلَوْلا أَنْ تُصِيبَهُمْ مُصِيبَةٌ بِمَا قَدَّمَتْ أَيْدِيهِمْ فَيَقُولُوا رَبَّنَا لَوْلا أَرْسَلْتَ إِلَيْنَا رَسُولا فَنَتَّبِعَ آيَاتِكَ وَنَكُونَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ ﴿٤٧﴾ } [القصص: ٤٤-٤٧] ﴿وَمَا كُنْتَ بِجَانِبِ الْغَرْبِيِّ﴾ [القصص: ٤٤] الخطاب لرسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، أي حاضرا.
قال قتادة، والسدي: يعني جبلا غربيا.
وهو اختيار الزجاج، قال: وما كنت بجانب الجبل الغربي.
وقال الكلبي: بجانب الوادي الغربي.
قال ابن عباس رضي الله عنه: يريد حيث ناجى موسى ربه.
وهو قوله: ﴿إِذْ قَضَيْنَا إِلَى مُوسَى الأَمْرَ﴾ [القصص: ٤٤] عهدنا إليه وأحكمنا الأمر معه بالرسالة إلى فرعون وقومه، وما كنت من الشاهدين لذلك الأمر.
﴿وَلَكِنَّا أَنْشَأْنَا قُرُونًا﴾ [القصص: ٤٥] خلقنا أمما من بعد موسى، ﴿فَتَطَاوَلَ عَلَيْهِمُ الْعُمُرُ﴾ [القصص: ٤٥] طالت عليهم المهلة، فنسوا عهد الله، وتركوا أمره، قال صاحب النظم: هذا الكلام يدل على أنه قد عهد إلى موسى وقومه عهودا في محمد صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ والإيمان به، فلما طال عليهم العمر، وخلفت القرون بعد القرون، نسوا تلك العهود، وتركوا الوفاء بها.
وقوله: ﴿وَمَا كُنْتَ ثَاوِيًا﴾ [القصص: ٤٥] أي مقيما، ﴿فِي أَهْلِ مَدْيَنَ﴾ [القصص: ٤٥] كمقام موسى وشعيب عليهما السلام فيهم، ﴿تَتْلُو عَلَيْهِمْ آيَاتِنَا﴾ [القصص: ٤٥] تذكرهم بالوعد والوعيد، قال مقاتل: يقول لم تشهد أهل مدين فتقرأ على أهل مكة خبرهم.
﴿وَلَكِنَّا كُنَّا مُرْسِلِينَ﴾ [القصص: ٤٥] أرسلناك إلى أهل مكة، وأنزلنا عليك هذه الأخبار، ولولا ذلك لما علمتها، قال الزجاج: المعنى أنك لم تشاهد قصص الأنبياء، وتليت عليك، ولكنا أوحيناها إليك، وقصصناها عليك.
﴿وَمَا كُنْتَ بِجَانِبِ الطُّورِ﴾ [القصص: ٤٦] بناحية الجبل الذي كلم الله عليه موسى، إذ نادينا قال ابن عباس: إن الله تعالى نادى: يا أمة محمد، قد أجبتكم قبل أن تدعوني، وأعطيتكم قبل أن تسألوني، وغفرت لكم قبل أن تسغفروني، ورحمتكم قبل أن تسترحموني.
﴿وَلَكِنْ رَحْمَةً مِنْ رَبِّكَ﴾ [القصص: ٤٦] ولكن رحمناك رحمة بإرسالك والوحي إليك، ﴿لِتُنْذِرَ قَوْمًا مَا أَتَاهُمْ مِنْ نَذِيرٍ مِنْ قَبْلِكَ﴾ [القصص: ٤٦] يعني: أهل مكة، ﴿لَعَلَّهُمْ يَتَذَكَّرُونَ﴾ [القصص: ٤٦] لكي يتعظوا.
﴿وَلَوْلا أَنْ تُصِيبَهُمْ مُصِيبَةٌ﴾ [القصص: ٤٧] قال مقاتل: يعني العذاب في الدنيا.
﴿بِمَا قَدَّمَتْ أَيْدِيهِمْ﴾ [القصص: ٤٧] من المعاصي، يعني كفار مكة، ﴿فَيَقُولُوا رَبَّنَا لَوْلا أَرْسَلْتَ إِلَيْنَا رَسُولا﴾ [القصص: ٤٧] هلا أرسلت إلينا رسولا، فنتبع آياتك يعني القرآن، ﴿وَنَكُونَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ﴾ [القصص: ٤٧] المصدقين بتوحيد الله، والمعنى: لولا أنهم يحتجون بترك الإرسال إليهم لعاجلناهم بالعقوبة بكفرهم، وجواب لولا محذوف تقديره ما ذكرنا.
﴿فَلَمَّا جَاءَهُمُ الْحَقُّ مِنْ عِنْدِنَا قَالُوا لَوْلا أُوتِيَ مِثْلَ مَا أُوتِيَ مُوسَى أَوَلَمْ يَكْفُرُوا بِمَا أُوتِيَ مُوسَى مِنْ قَبْلُ قَالُوا سِحْرَانِ تَظَاهَرَا وَقَالُوا إِنَّا بِكُلٍّ كَافِرُونَ {٤٨﴾ قُلْ فَأْتُوا بِكِتَابٍ مِنْ عِنْدِ اللَّهِ هُوَ أَهْدَى مِنْهُمَا أَتَّبِعْهُ إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ ﴿٤٩﴾ فَإِنْ لَمْ يَسْتَجِيبُوا لَكَ فَاعْلَمْ أَنَّمَا يَتَّبِعُونَ أَهْوَاءَهُمْ وَمَنْ أَضَلُّ مِمَّنِ اتَّبَعَ هَوَاهُ بِغَيْرِ هُدًى مِنَ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ لا يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ ﴿٥٠﴾ وَلَقَدْ وَصَّلْنَا لَهُمُ الْقَوْلَ لَعَلَّهُمْ يَتَذَكَّرُونَ ﴿٥١﴾ } [القصص: ٤٨-٥١] ﴿فَلَمَّا جَاءَهُمُ الْحَقُّ مِنْ عِنْدِنَا﴾ [القصص: ٤٨] محمد والقرآن، ﴿قَالُوا لَوْلا أُوتِيَ مِثْلَ مَا أُوتِيَ مُوسَى﴾ [القصص: ٤٨] هلا أوتي محمد من الآيات مثل ما أوتي موسى من العصا واليد، فاحتج الله عليهم بقوله: ﴿أَوَلَمْ يَكْفُرُوا بِمَا أُوتِيَ مُوسَى مِنْ قَبْلُ﴾ [القصص: ٤٨] أي: فقد كفروا بآيات موسى كما كفروا بآيات محمد، قالوا ساحران تظاهرا