يحسن.
﴿وَإِنْ جَاهَدَاكَ لِتُشْرِكَ بِي مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ﴾ [العنكبوت: ٨] أي: لتشرك بي شريكا لا تعلمه لي، ﴿فَلا تُطِعْهُمَا﴾ [العنكبوت: ٨].
٧٠٨ - أَخْبَرَنَا أَحْمَدُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ الأَصْفَهَانِيُّ، أنا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ جَعْفَرِ بْنِ حِبَّانَ، أنا أَبُو يَعْلَى، نا أَحْمَدُ بْنُ أَيُّوبَ بْنِ رَاشِدٍ الضَّبِّيُّ، نا مَسْلَمَةُ بْنُ عَلْقَمَةَ، نا دَاوُدُ بْنُ أَبِي هِنْدٍ، عَنْ أَبِي عُثْمَانَ النَّهْدِيِّ، أَنَّ سَعْدَ بْنَ مَالِكٍ قَالَ: نَزَلَتْ فِيَّ هَذِهِ الآيَةُ: ﴿وَإِنْ جَاهَدَاكَ لِتُشْرِكَ بِي مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ﴾، قَالَ: كُنْتُ رَجُلا بَرًّا بِأُمِّي، فَلَمَّا أَسْلَمْتُ قَالَتْ: يَا سَعْدُ، مَا هَذَا الدِّينُ الَّذِي قَدْ أَحْدَثْتَ؟ لَتَدَعَنَّ دِينَكَ هَذَا، أَوْ لا آكُلُ وَلا أَشْرَبُ حَتَّى أَمُوتَ فَتُعَيَّرَ بِي، فَيُقَالَ: يَا قَاتِلَ أُمِّهِ، قُلْتُ: لا تَفْعَلِي يَا أُمَّهْ، إِنِّي لا أَدَعُ دِينِي هَذَا لِشَيْءٍ، قَالَ: فَمَكَثَتْ يَوْمًا لا تَأْكُلُ وَلَيْلَةً، فَأَصْبَحَتْ قَدْ جَهِدَتْ، ثُمَّ مَكَثَتْ يَوْمًا آخَرَ وَلَيْلَةً لا تَأْكُلُ، فَلَمَّا رَأَيْتُ ذَلِكَ؛ قُلْتُ: تَعْلَمِينَ، وَاللَّهِ يَا أُمَّهْ، لَوْ كَانَتْ لَكَ مِائَةُ نَفْسٍ فَخَرَجَتْ نَفْسًا نَفْسًا مَا تَرَكْتُ دِينِي هَذَا لِشَيْءٍ فَكُلِي وَإِنْ شِئْتِ فَلا تَأْكُلِي، فَلَمَّا رَأَتْ ذَلِكَ مِنِّي أَكَلَتْ، فَأَنْزَلَ اللَّهِ هَذِهِ الآيَةَ
﴿وإن جاهداك﴾ ثم أوعد بالمصير إليه، فقال: ﴿إِلَيَّ مَرْجِعُكُمْ فَأُنَبِّئُكُمْ بِمَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ﴾ [العنكبوت: ٨] أي: أخبركم بمآل أعمالكم وسيئها لأجازيكم عليها.
﴿وَالَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ لَنُدْخِلَنَّهُمْ فِي الصَّالِحِينَ﴾ [العنكبوت: ٩] أي: في زمرة الأنبياء والأولياء.
﴿وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَقُولُ آمَنَّا بِاللَّهِ فَإِذَا أُوذِيَ فِي اللَّهِ جَعَلَ فِتْنَةَ النَّاسِ كَعَذَابِ اللَّهِ وَلَئِنْ جَاءَ نَصْرٌ مِنْ رَبِّكَ لَيَقُولُنَّ إِنَّا كُنَّا مَعَكُمْ أَوَلَيْسَ اللَّهُ بِأَعْلَمَ بِمَا فِي صُدُورِ الْعَالَمِينَ {١٠﴾ وَلَيَعْلَمَنَّ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا وَلَيَعْلَمَنَّ الْمُنَافِقِينَ ﴿١١﴾ } [العنكبوت: ١٠-١١] ﴿وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَقُولُ آمَنَّا بِاللَّهِ﴾ [العنكبوت: ١٠] قال مجاهد: نزلت في أناس يؤمنون بألسنتهم، فإذا أصابهم بلاء من الناس أو مصيبة في أنفسهم وأموالهم افتتنوا، فجعلوا ذلك كعذاب الله في الآخرة.
وهو قوله: ﴿فَإِذَا أُوذِيَ فِي اللَّهِ جَعَلَ فِتْنَةَ النَّاسِ﴾ [العنكبوت: ١٠] ما يصيبهم من عذابهم، كعذاب الله أي: جزع من أذى الناس ولم يصبر عليه، فأطاع الناس كما يطيع الله من خاف من عذابه، وهذا قول السدي، وابن زيد، قالا: هو المنافق إذا أوذي في الله رجع عن الدين فكفر.
قال الزجاج: وينبغي للمؤمن أن يصبر على الأذى في الله.
وقال عكرمة، عن ابن عباس: نزلت في المؤمنين الذين أخرجهم المشركون إلى بدر فارتدوا، وهم الذين نزلت فيهم ﴿إِنَّ الَّذِينَ تَوَفَّاهُمُ الْمَلائِكَةُ﴾ [النساء: ٩٧].
﴿وَلَئِنْ جَاءَ نَصْرٌ مِنْ رَبِّكَ﴾ [العنكبوت: ١٠] يعني: دولة للمؤمنين ونصر لأولياء الله، ليقولن يعني: المنافقين للمؤمنين، ﴿إِنَّا كُنَّا مَعَكُمْ﴾ [العنكبوت: ١٠] على عدوكم، فكذبهم الله قال: ﴿أَوَلَيْسَ اللَّهُ بِأَعْلَمَ بِمَا فِي صُدُورِ الْعَالَمِينَ﴾ [العنكبوت: ١٠] من الإيمان والنفاق وغير ذلك، أي: لا يخفى عليه كذبهم فيما قالوا: إنا كنا معكم على عدوكم.
﴿وَلَيَعْلَمَنَّ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا﴾ [العنكبوت: ١١] قال مقاتل، والكلبي: وليرين الله الذين صدقوا عند البلاء فثبتوا على الإسلام.
﴿وَلَيَعْلَمَنَّ الْمُنَافِقِينَ﴾ [العنكبوت: ١١] بالشك عند البلاء وترك الإيمان.
قوله: ﴿وَقَالَ الَّذِينَ كَفَرُوا لِلَّذِينَ آمَنُوا اتَّبِعُوا سَبِيلَنَا وَلْنَحْمِلْ خَطَايَاكُمْ وَمَا هُمْ بِحَامِلِينَ مِنْ خَطَايَاهُمْ مِنْ شَيْءٍ إِنَّهُمْ لَكَاذِبُونَ {١٢﴾ وَلَيَحْمِلُنَّ أَثْقَالَهُمْ وَأَثْقَالا مَعَ أَثْقَالِهِمْ وَلَيُسْأَلُنَّ يَوْمَ الْقِيَامَةِ عَمَّا كَانُوا يَفْتَرُونَ ﴿١٣﴾ } [العنكبوت: ١٢-١٣] ﴿وَقَالَ الَّذِينَ كَفَرُوا لِلَّذِينَ آمَنُوا﴾ [العنكبوت: ١٢] اتبعوا سبيلنا، قال مجاهد: هذا من قول كفار مكة لمن آمن منهم، قالوا لهم: لا نبعث نحن ولا أنتم، فاتبعونا، فإن كان عليكم شيء فهو علينا.
ونحو هذا قال الكلبي، ومقاتل: إن أبا سفيان قال لمن آمن من قريش: اتبعوا ديننا ملة آبائنا ونحن الكفلاء بكل تبعة من الله تصيبكم.
فذلك قوله: ولنحمل خطاياكم وهو جزم على الأمر، كأنهم أمروا أنفسهم بذلك، قال الله تعالى: {وَمَا هُمْ بِحَامِلِينَ مِنْ خَطَايَاهُمْ