قطرب: معناه ولا في السماء لو كنتم فيها، كقولك: ما يفوتني فلان ههنا ولا بالبصرة لو صار إليها.
وهذا معنى قول مقاتل: وما أنتم يا كفار مكة بسابقي الله، فتفوتونه في الأرض كنتم أو في السماء كنتم، أينما تكونوا حتى يجزيكم بأعمالكم السيئة.
﴿وَمَا لَكُمْ مِنْ دُونِ اللَّهِ مِنْ وَلِيٍّ﴾ [العنكبوت: ٢٢] يمنعكم مني، ولا نصير ينصركم من عذابي.
﴿وَالَّذِينَ كَفَرُوا بِآيَاتِ اللَّهِ وَلِقَائِهِ﴾ [العنكبوت: ٢٣] بالقرآن والبعث بعد الموت، ﴿أُولَئِكَ يَئِسُوا مِنْ رَحْمَتِي وَأُولَئِكَ لَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ﴾ [العنكبوت: ٢٣] يعني من جنتي.
ثم عاد الكلام إلى قصة إبراهيم، وهو قوله: ﴿فَمَا كَانَ جَوَابَ قَوْمِهِ إِلا أَنْ قَالُوا اقْتُلُوهُ أَوْ حَرِّقُوهُ فَأَنْجَاهُ اللَّهُ مِنَ النَّارِ إِنَّ فِي ذَلِكَ لآيَاتٍ لِقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ {٢٤﴾ وَقَالَ إِنَّمَا اتَّخَذْتُمْ مِنْ دُونِ اللَّهِ أَوْثَانًا مَوَدَّةَ بَيْنِكُمْ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا ثُمَّ يَوْمَ الْقِيَامَةِ يَكْفُرُ بَعْضُكُمْ بِبَعْضٍ وَيَلْعَنُ بَعْضُكُمْ بَعْضًا وَمَأْوَاكُمُ النَّارُ وَمَا لَكُمْ مِنْ نَاصِرِينَ ﴿٢٥﴾ } [العنكبوت: ٢٤-٢٥] ﴿فَمَا كَانَ جَوَابَ قَوْمِهِ﴾ [العنكبوت: ٢٤] يعني: حين دعاهم إلى الله ونهاهم عن عبادة الأصنام، ﴿إِلا أَنْ قَالُوا اقْتُلُوهُ أَوْ حَرِّقُوهُ﴾ [العنكبوت: ٢٤] وفي هذا تسفيه لهم حين أجابوا من احتج عليهم بأن يقتل أو يحرق، ﴿فَأَنْجَاهُ اللَّهُ مِنَ النَّارِ﴾ [العنكبوت: ٢٤] قال مقاتل: فقذفوه في النار فأنجاه الله من ذلك.
﴿إِنَّ فِي ذَلِكَ﴾ [العنكبوت: ٢٤] أي: إن في إنجاء الله إبراهيم من النار حتى لم تحرقه، ﴿لآيَاتٍ لِقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ﴾ [العنكبوت: ٢٤] بتوحيد الله وقدرته.
وقال إبراهيم لقومه: ﴿إِنَّمَا اتَّخَذْتُمْ مِنْ دُونِ اللَّهِ أَوْثَانًا مَوَدَّةَ بَيْنِكُمْ﴾ [العنكبوت: ٢٥] قال الزجاج: ترفع مودة على إضمار هي، كأنه قال: تلك مودة بينكم، أي ألفتكم واجتماعكم على الأصنام مودة بينكم.
﴿فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا﴾ [العنكبوت: ٢٥] وقرأ عاصم مودة بالرفع والتنوين، بينكم نصبا، وهذه القراءة كالأولى، إلا أنه لم يضف المودة ونصب بينكم على الظرف.
وقرأ حمزة مودة نصبا من غير تنوين بينكم خفضا جعل ما مع أن كافة، ولم يجعلها بمعنى الذي، ونصب مودة على أنه مفعول له، أي أتخذتم الأوثان للمودة، ثم أضافها إلى بينكم كما أضاف من وقع وقرأ نافع وابن عامر مودة بالنصب والتنوين بينكم بالنصب، وهذه القراءة كقراءة حمزة في المعنى، إلا أنه لم يضف المودة.
قال المفسرون: يقول أنكم جعلتم الأوثان تتحابون على عبادتها وتتواصلون عليها في الحياة الدنيا، ﴿ثُمَّ يَوْمَ الْقِيَامَةِ يَكْفُرُ بَعْضُكُمْ بِبَعْضٍ﴾ [العنكبوت: ٢٥] يتبرأ القادة من الأتباع ﴿وَيَلْعَنُ بَعْضُكُمْ بَعْضًا﴾ [العنكبوت: ٢٥] يلعن الأتباع القادة، لأنهم زينوا لهم الكفر ومأواكم ومصيركم جميعا، ﴿النَّارُ وَمَا لَكُمْ مِنْ نَاصِرِينَ﴾ [العنكبوت: ٢٥] مانعين منها.
﴿فَآمَنَ لَهُ لُوطٌ وَقَالَ إِنِّي مُهَاجِرٌ إِلَى رَبِّي إِنَّهُ هُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ {٢٦﴾ وَوَهَبْنَا لَهُ إِسْحَاقَ وَيَعْقُوبَ وَجَعَلْنَا فِي ذُرِّيَّتِهِ النُّبُوَّةَ وَالْكِتَابَ وَآتَيْنَاهُ أَجْرَهُ فِي الدُّنْيَا وَإِنَّهُ فِي الآخِرَةِ لَمِنَ الصَّالِحِينَ ﴿٢٧﴾ } [العنكبوت: ٢٦-٢٧] {


الصفحة التالية
Icon