وَعَادًا وَثَمُودَ} [العنكبوت: ٣٨] قال مقاتل، والزجاج: وأهلكنا عادا وثمود.
﴿وَقَدْ تَبَيَّنَ لَكُمْ مِنْ مَسَاكِنِهِمْ﴾ [العنكبوت: ٣٨] ظهر لكم يا أهل مكة من منازلهم بالحجر والحجاز واليمن آية في هلاكهم، وقوله: ﴿وَكَانُوا مُسْتَبْصِرِينَ﴾ [العنكبوت: ٣٨] يقال: استبصر في أمره إذا كان ذا بصيرة.
قال قتادة، والكلبي: إنهم كانوا مستبصرين في دينهم وضلالتهم، معجبين بما يحسبون أنهم على هدى، ويرون أن أمرهم حق.
والمعنى أنهم كانوا عند أنفسهم مستبصرين فيما كانوا عليه من الضلالة.
قوله: ﴿فَكُلًّا أَخَذْنَا بِذَنْبِهِ﴾ [العنكبوت: ٤٠] أي: عاقبنا بتكذيبه الرسل، ﴿فَمِنْهُمْ مَنْ أَرْسَلْنَا عَلَيْهِ حَاصِبًا﴾ [العنكبوت: ٤٠] يعني: قوم لوط، ﴿وَمِنْهُمْ مَنْ أَخَذَتْهُ الصَّيْحَةُ﴾ [العنكبوت: ٤٠] يعني ثمودا، ﴿وَمِنْهُمْ مَنْ خَسَفْنَا بِهِ الأَرْضَ﴾ [العنكبوت: ٤٠] يعني: قارون وأصحابه، ﴿وَمِنْهُمْ مَنْ أَغْرَقْنَا﴾ [العنكبوت: ٤٠] يعني: قوم نوح وفرعون، ﴿وَمَا كَانَ اللَّهُ لِيَظْلِمَهُمْ﴾ [العنكبوت: ٤٠] ليعذبهم على غير ذنب.
ثم ضرب لهم مثلا، فقال: ﴿مَثَلُ الَّذِينَ اتَّخَذُوا مِنْ دُونِ اللَّهِ أَوْلِيَاءَ كَمَثَلِ الْعَنْكَبُوتِ اتَّخَذَتْ بَيْتًا وَإِنَّ أَوْهَنَ الْبُيُوتِ لَبَيْتُ الْعَنْكَبُوتِ لَوْ كَانُوا يَعْلَمُونَ {٤١﴾ إِنَّ اللَّهَ يَعْلَمُ مَا يَدْعُونَ مِنْ دُونِهِ مِنْ شَيْءٍ وَهُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ ﴿٤٢﴾ وَتِلْكَ الأَمْثَالُ نَضْرِبُهَا لِلنَّاسِ وَمَا يَعْقِلُهَا إِلا الْعَالِمُونَ ﴿٤٣﴾ } [العنكبوت: ٤١-٤٣] ﴿مَثَلُ الَّذِينَ اتَّخَذُوا مِنْ دُونِ اللَّهِ أَوْلِيَاءَ﴾ [العنكبوت: ٤١] يعني: الأصنام يتخذونها أولياء، يرجون ضرها ونفعها، ﴿كَمَثَلِ الْعَنْكَبُوتِ اتَّخَذَتْ بَيْتًا﴾ [العنكبوت: ٤١] وبيتها لا يغني عنها في حر ولا قر ولا مطر، كذلك آلهتهم لا ترزقهم شيئا، ولا تملك لهم ضرا ولا نفعا، ﴿وَإِنَّ أَوْهَنَ الْبُيُوتِ لَبَيْتُ الْعَنْكَبُوتِ﴾ [العنكبوت: ٤١] لا بيت أضعف منه فيما يتخذه الهوام، ﴿لَوْ كَانُوا يَعْلَمُونَ﴾ [العنكبوت: ٤١] أن اتخاذهم الأولياء كاتخاذ العنكبوت بيتا.
﴿إِنَّ اللَّهَ يَعْلَمُ مَا يَدْعُونَ مِنْ دُونِهِ مِنْ شَيْءٍ﴾ [العنكبوت: ٤٢] أي: إنه عالم بما عبدتموه من دونه، لا يخفى على الله ذلك، فهو يجازيكم على كفركم.
{وَهُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ ﴿٤٢﴾ وَتِلْكَ الأَمْثَالُ} [العنكبوت: ٤٢-٤٣] يعني: أمثال القرآن، وهي التي شبه بها أحوال كفار هذه الأمة بأحوال كفار الأمم المتقدمة.
نضربها للناس قال مقاتل: نبينها لكفار مكة.
﴿وَمَا يَعْقِلُهَا إِلا الْعَالِمُونَ﴾ [العنكبوت: ٤٣] وما يعقل الأمثال إلا العلماء الذين يعقلون عن الله.
٧١١ - حَدَّثَنَا الأُسْتَاذُ إِسْمَاعِيلُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ النَّصْرَابَاذِيُّ، أنا مُحَمَّدُ بْنُ يَعْقُوبَ الْحَافِظُ، أنا أَحْمَدُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ الْقَطَّانُ، نا الْحَارِثُ، نا دَاوُدُ بْنُ الْمُحَبَّرِ، نا عَبَّادٌ، عَنِ ابْنِ جُرَيْجٍ، عَنْ عَطَاءٍ، وَأَبِي الزُّبَيْرِ، عَنْ جَابِرٍ، أَنَّ النَّبِيَّ، صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " تَلا هَذِهِ الآيَةَ ﴿وَتِلْكَ الأَمْثَالُ نَضْرِبُهَا لِلنَّاسِ وَمَا يَعْقِلُهَا إِلا الْعَالِمُونَ﴾ قَالَ: الْعَالِمُ: الَّذِي عَقَلَ عَنِ اللَّهِ، فَعَمِلَ بِطَاعَتِهِ، وَاجْتَنَبَ سَخَطَهُ "


الصفحة التالية
Icon