رَبِّهِمْ يَتَوَكَّلُونَ} [العنكبوت: ٥٩] قال ابن عباس: وذلك أن المهاجرين توكلوا على الله وتركوا دورهم وأموالهم.
وقال مقاتل: إن أحدهم كان يقول بمكة كيف أهاجر إلى المدينة، وليس لي بها مال ولا معيشة، فقال الله: ﴿وَكَأَيِّنْ مِنْ دَابَّةٍ﴾ [العنكبوت: ٦٠] وهي كل حيوان يدب على الأرض مما يعقل ولا يعقل، والمعنى: من نفس دابة.
﴿لا تَحْمِلُ رِزْقَهَا﴾ [العنكبوت: ٦٠] لا ترجع رزقها معها، ولا تدخر شيئا لغد، ﴿اللَّهُ يَرْزُقُهَا﴾ [العنكبوت: ٦٠] حيث ما توجهت، وإياكم يرزق إن خرجتم إلى المدينة ولم يكن لكم زاد ولا نفقة، قال سفيان: وليس شيء مما خلق الله يخبئ ويدخر إلا الإنسان والفأرة والنملة.
وقوله: وهو السميع أي: لقولكم إنا لا نجد ما ننفق بالمدينة.
العليم بما في قلوبكم.
٧١٦ - أَخْبَرَنَا أَبُو بَكْرٍ التَّمِيمِيُّ، أنا أَبُو مُحَمَّدِ بْنِ حَيَّانَ، أنا أَحْمَدُ بْنُ جَعْفَرٍ الْجَمَّالُ، نا عَبْدُ الْوَاحِدِ بْنُ مُحَمَّدٍ الْبَجَلِيُّ، نا يَزِيدُ بْنُ هَارُونَ، قَالَ: حَدَّثَنَا حَجَّاجُ بْن مِنْهَالٍ، عَنِ الزُّهْرِيِّ، وَهُوَ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ عَطَاءٍ، عَنْ عَطَاءٍ، عَنِ ابْنِ عُمَرَ، قَالَ: خَرَجْتُ مَعَ رَسُولِ اللَّهِ، صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، حَتَّى دَخَلَ بَعْضَ حِيطَانِ الأَنْصَارِ فَجَعَل يَلْتَقِطُ مِنَ الثَّمَرِ وَيَأْكُلُ، فَقَالَ: يَابْنَ عُمَرَ، مَا لَكَ لا تَأْكُلُ؟ فَقُلْتُ: لا أَشْتَهِيهِ يَا رَسُولَ اللَّهِ، قَالَ: وَلَكِنِّي أَشْتَهِيهِ وَهَذِهِ صُبْحٌ رَابِعَةٌ مُذْ لَمْ أَذُقْ طَعَامًا، وَلَوْ شِئْتُ لَدَعَوْتُ رَبِّي فَأَعْطَانِي مِثْلَ مُلْكِ كِسْرَى وَقَيْصَرَ، فَكَيْفَ بِكَ، يَابْنَ عُمَرَ، إِذَا بَقِيتَ فِي قَوْمٍ يُخَبِّئُونَ رِزْقَ سَنَتِهِمْ وَيَضْعُفُ الْيَقِينُ؟ فَوَاللَّهِ مَا بَرِحْنَا حَتَّى نَزَلَتْ: ﴿وَكَأَيِّنْ مِنْ دَابَّةٍ لا تَحْمِلُ رِزْقَهَا﴾ الآيَةَ
﴿وَلَئِنْ سَأَلْتَهُمْ مَنْ خَلَقَ السَّمَوَاتِ وَالأَرْضَ وَسَخَّرَ الشَّمْسَ وَالْقَمَرَ لَيَقُولُنَّ اللَّهُ فَأَنَّى يُؤْفَكُونَ {٦١﴾ اللَّهُ يَبْسُطُ الرِّزْقَ لِمَنْ يَشَاءُ مِنْ عِبَادِهِ وَيَقْدِرُ لَهُ إِنَّ اللَّهَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ ﴿٦٢﴾ وَلَئِنْ سَأَلْتَهُمْ مَنْ نَزَّلَ مِنَ السَّمَاءِ مَاءً فَأَحْيَا بِهِ الأَرْضَ مِنْ بَعْدِ مَوْتِهَا لَيَقُولُنَّ اللَّهُ قُلِ الْحَمْدُ لِلَّهِ بَلْ أَكْثَرُهُمْ لا يَعْقِلُونَ ﴿٦٣﴾ } [العنكبوت: ٦١-٦٣] قوله: ولئن سألتهم يعني: كفار مكة، ﴿مَنْ خَلَقَ السَّمَوَاتِ وَالأَرْضَ وَسَخَّرَ الشَّمْسَ وَالْقَمَرَ لَيَقُولُنَّ اللَّهُ﴾ [العنكبوت: ٦١] أي: الله خلقها، يقررن بأنه خالق السموات والأرض، ﴿قُلِ الْحَمْدُ لِلَّهِ﴾ [العنكبوت: ٦٣] أي: احمد الله على إقرارهم، لأن ذلك يلزمهم الحجة، ويوجب عليهم التوحيد.
ثم قال: ﴿بَلْ أَكْثَرُهُمْ لا يَعْقِلُونَ﴾ [العنكبوت: ٦٣] توحيد ربهم مع إقرارهم بأنه خلق الأشياء، وأنزل المطر، والمراد بالأكثر الجميع.
﴿وَمَا هَذِهِ الْحَيَاةُ الدُّنْيَا إِلا لَهْوٌ وَلَعِبٌ وَإِنَّ الدَّارَ الآخِرَةَ لَهِيَ الْحَيَوَانُ لَوْ كَانُوا يَعْلَمُونَ {٦٤﴾ فَإِذَا رَكِبُوا فِي الْفُلْكِ دَعَوُا اللَّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ فَلَمَّا نَجَّاهُمْ إِلَى الْبَرِّ إِذَا هُمْ يُشْرِكُونَ ﴿٦٥﴾ لِيَكْفُرُوا بِمَا آتَيْنَاهُمْ وَلِيَتَمَتَّعُوا فَسَوْفَ يَعْلَمُونَ ﴿٦٦﴾ } [العنكبوت: ٦٤-٦٦] قوله: ﴿وَمَا هَذِهِ الْحَيَاةُ الدُّنْيَا﴾ [العنكبوت: ٦٤] يعني: الحياة في هذه الدار، ﴿إِلا لَهْوٌ وَلَعِبٌ﴾ [العنكبوت: ٦٤] باطل وغرور وعبث، تنقضي عن قريب، ﴿وَإِنَّ الدَّارَ الآخِرَةَ﴾ [العنكبوت: ٦٤] يعني الجنة ﴿لَهِيَ الْحَيَوَانُ﴾ [العنكبوت: ٦٤] قال أبو عبيدة، وابن قتيبة: الحيوان الحياة.
وهو قول