يَأَيُّهَا النَّبِيُّ إِذَا طَلَّقْتُمُ النِّسَاءَ} [الطلاق: ١] فقوله تعالى: ﴿فَأَقِمْ وَجْهَكَ﴾ [الروم: ٣٠] معناه: فأقيموا وجوهكم، منيبين إليه راجعين إلى كل ما أمر به مع التقوى، وأداء الفرض، وهو قوله: ﴿وَاتَّقُوهُ وَأَقِيمُوا الصَّلاةَ﴾ [الروم: ٣١].
ثم أخبر أنه لا ينفع ذلك إلا بالإخلاص في التوحيد، فقال: ﴿وَلا تَكُونُوا مِنَ الْمُشْرِكِينَ {٣١﴾ مِنَ الَّذِينَ فَرَّقُوا دِينَهُمْ وَكَانُوا شِيَعًا} [الروم: ٣١-٣٢] تقدم تفسيره في آخر ﴿ [الأنعام،] كُلُّ حِزْبٍ بِمَا لَدَيْهِمْ فَرِحُونَ﴾ [سورة الروم: ٣٢] قال مقاتل: كل أهل ملة بما عندهم من الدين راضون.
﴿وَإِذَا مَسَّ النَّاسَ ضُرٌّ دَعَوْا رَبَّهُمْ مُنِيبِينَ إِلَيْهِ ثُمَّ إِذَا أَذَاقَهُمْ مِنْهُ رَحْمَةً إِذَا فَرِيقٌ مِنْهُمْ بِرَبِّهِمْ يُشْرِكُونَ {٣٣﴾ لِيَكْفُرُوا بِمَا آتَيْنَاهُمْ فَتَمَتَّعُوا فَسَوْفَ تَعْلَمُونَ ﴿٣٤﴾ أَمْ أَنْزَلْنَا عَلَيْهِمْ سُلْطَانًا فَهُوَ يَتَكَلَّمُ بِمَا كَانُوا بِهِ يُشْرِكُونَ ﴿٣٥﴾ وَإِذَا أَذَقْنَا النَّاسَ رَحْمَةً فَرِحُوا بِهَا وَإِنْ تُصِبْهُمْ سَيِّئَةٌ بِمَا قَدَّمَتْ أَيْدِيهِمْ إِذَا هُمْ يَقْنَطُونَ ﴿٣٦﴾ أَوَلَمْ يَرَوْا أَنَّ اللَّهَ يَبْسُطُ الرِّزْقَ لِمَنْ يَشَاءُ وَيَقْدِرُ إِنَّ فِي ذَلِكَ لآيَاتٍ لِقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ ﴿٣٧﴾ } [الروم: ٣٣-٣٧] قوله: ﴿وَإِذَا مَسَّ النَّاسَ﴾ [الروم: ٣٣] يعني: كفار مكة، ضر وقحط وسنة، ﴿دَعَوْا رَبَّهُمْ مُنِيبِينَ إِلَيْهِ﴾ [الروم: ٣٣] أي: لا يلتجئون في شدائدهم إلى أوثانهم التي يعبدونها مع الله، إنما يرجعون في دعائهم إلى الله وحده، ﴿ثُمَّ إِذَا أَذَاقَهُمْ مِنْهُ رَحْمَةً﴾ [الروم: ٣٣] إذا أعطاهم من عنده المطر، ﴿إِذَا فَرِيقٌ مِنْهُمْ بِرَبِّهِمْ يُشْرِكُونَ﴾ [الروم: ٣٣] تركوا توحيد ربهم في الرخاء وقد وحدوه في الضر.
﴿لِيَكْفُرُوا بِمَا آتَيْنَاهُمْ﴾ [الروم: ٣٤] ذكرنا تفسيره في آخر ﴿ [العنكبوت.
ثم خاطب هؤلاء الذين فعلوا هذا خطاب تهديد بقوله:] فَتَمَتَّعُوا فَسَوْفَ تَعْلَمُونَ﴾
[سورة الروم: ٣٤] حالكم في الآخرة.
﴿أَمْ أَنْزَلْنَا عَلَيْهِمْ﴾ [الروم: ٣٥] على هؤلاء، سلطانا حجة وكتابا من السماء، ﴿فَهُوَ يَتَكَلَّمُ بِمَا كَانُوا بِهِ يُشْرِكُونَ﴾ [الروم: ٣٥] يقولون من الشرك، يعني يأمرهم به، وهذا استفهام إنكار، أي ليس الأمر على هذا.
ثم ذكر بطرهم عند النعمة، ويأسهم عند الشدة بقوله: ﴿وَإِذَا أَذَقْنَا النَّاسَ رَحْمَةً فَرِحُوا بِهَا﴾ [الروم: ٣٦] يعني: فرح البطر وترك الشكر، ﴿وَإِنْ تُصِبْهُمْ سَيِّئَةٌ﴾ [الروم: ٣٦] شدة وبلاء، ﴿بِمَا قَدَّمَتْ أَيْدِيهِمْ﴾ [الروم: ٣٦] بما عملوا من السيئات، ﴿إِذَا هُمْ يَقْنَطُونَ﴾ [الروم: ٣٦] قنطوا من رحمة الله، وهذا خلاف وصف المؤمن، فإنه يشكر عند النعمة، ويرجو ربه عند الشدة.
ثم وعظهم، فقال: ﴿أَوَلَمْ يَرَوْا أَنَّ اللَّهَ يَبْسُطُ الرِّزْقَ لِمَنْ يَشَاءُ وَيَقْدِرُ إِنَّ فِي ذَلِكَ لآيَاتٍ لِقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ﴾ [الروم: ٣٧] والآية ظاهرة.
﴿فَآتِ ذَا الْقُرْبَى حَقَّهُ وَالْمِسْكِينَ وَابْنَ السَّبِيلِ ذَلِكَ خَيْرٌ لِلَّذِينَ يُرِيدُونَ وَجْهَ اللَّهِ وَأُولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ {٣٨﴾ وَمَا آتَيْتُمْ مِنْ رِبًا لِيَرْبُوَ فِي أَمْوَالِ النَّاسِ فَلا يَرْبُو عِنْدَ اللَّهِ وَمَا آتَيْتُمْ مِنْ زَكَاةٍ تُرِيدُونَ وَجْهَ اللَّهِ فَأُولَئِكَ هُمُ الْمُضْعِفُونَ ﴿٣٩﴾ اللَّهُ الَّذِي خَلَقَكُمْ ثُمَّ رَزَقَكُمْ ثُمَّ يُمِيتُكُمْ ثُمَّ يُحْيِيكُمْ هَلْ مِنْ شُرَكَائِكُمْ مَنْ يَفْعَلُ مِنْ ذَلِكُمْ مِنْ شَيْءٍ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى عَمَّا يُشْرِكُونَ ﴿٤٠﴾ } [الروم: ٣٨-٤٠] قوله: ﴿فَآتِ ذَا الْقُرْبَى حَقَّهُ﴾ [الروم: ٣٨] أي: من الصلة والبر، والمسكين قال مقاتل: حقه أن يتصدق عليه.
وابن السبيل يعني الضيافة، ذلك خير إعطاء الحق خير وأفضل من الإمساك، ﴿لِلَّذِينَ يُرِيدُونَ وَجْهَ اللَّهِ﴾ [الروم: ٣٨] يطلبون


الصفحة التالية
Icon