أنهم لم يلبثوا في قبورهم إلا ساعة.
وقال ابن قتيبة: أي كذبوا في هذا الوقت كما كانوا يكذبون من قبل.
والمعنى: أراد الله تعالى أن بعضهم خلقوا على شيء يتبين لأهل الجمع من المؤمنين أنهم كاذبون في ذلك، ويستدلون بكذبهم هناك على كذبهم في الدنيا، وكان ذلك من قضاء الله وقدره، بدليل قوله: يؤفكون أي يصرفون، يعني: كما صرفوا عن الصدق في خلقهم حين حلفوا كاذبين صرفوا في الدنيا عن الإيمان.
ثم ذكر إنكار المؤمنين عليهم كذبهم بقوله: ﴿وَقَالَ الَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ وَالإِيمَانَ لَقَدْ لَبِثْتُمْ فِي كِتَابِ اللَّهِ إِلَى يَوْمِ الْبَعْثِ﴾ [الروم: ٥٦] أي: لبثتم في القبور فيما كتب الله لكم من اللبث إلى يوم البعث، وقال الزجاج: في علم الله المثبت في اللوح المحفوظ.
والمفسرون حملوا هذا على التقديم على تقدير قال الذين أوتوا العلم في كتاب الله وهم الذين يعلمون كتاب الله، وقرأ قوله: ﴿وَمِنْ وَرَائِهِمْ بَرْزَخٌ إِلَى يَوْمِ يُبْعَثُونَ﴾ [المؤمنون: ١٠٠] وقوله: ﴿فَهَذَا يَوْمُ الْبَعْثِ﴾ [الروم: ٥٦] أي: اليوم الذي كنتم تنكرونه في الدنيا وتكذبون به، ﴿وَلَكِنَّكُمْ كُنْتُمْ لا تَعْلَمُونَ﴾ [الروم: ٥٦] وقوعه في الدنيا، فلا ينفعكم العلم به الآن، يدل على هذا المعنى قوله: ﴿فَيَوْمَئِذٍ لا يَنْفَعُ الَّذِينَ ظَلَمُوا مَعْذِرَتُهُمْ﴾ [الروم: ٥٧] قال ابن عباس: لا يقبل من الذين أشركوا عذر، ولا عتاب، ولا توبة ذلك اليوم، وقرئ لا ينفع بالياء، لأن التأنيث ليس بحقيقي في المعذرة، وقد وقع الفصل بين الفاعل وفعله فقوي التذكير، وقوله: ﴿وَلا هُمْ يُسْتَعْتَبُونَ﴾ [الروم: ٥٧] لا يطلب منهم العتبى والرجوع في الآخرة.
﴿وَلَقَدْ ضَرَبْنَا لِلنَّاسِ فِي هَذَا الْقُرْءَانِ مِنْ كُلِّ مَثَلٍ وَلَئِنْ جِئْتَهُمْ بِآيَةٍ لَيَقُولَنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا إِنْ أَنْتُمْ إِلا مُبْطِلُونَ {٥٨﴾ كَذَلِكَ يَطْبَعُ اللَّهُ عَلَى قُلُوبِ الَّذِينَ لا يَعْلَمُونَ ﴿٥٩﴾ فَاصْبِرْ إِنَّ وَعْدَ اللَّهِ حَقٌّ وَلا يَسْتَخِفَّنَّكَ الَّذِينَ لا يُوقِنُونَ ﴿٦٠﴾ } [الروم: ٥٨-٦٠] ﴿وَلَقَدْ ضَرَبْنَا لِلنَّاسِ فِي هَذَا الْقُرْءَانِ مِنْ كُلِّ مَثَلٍ﴾ [الروم: ٥٨] احتجاجا عليهم وتنبيها لهم، ﴿وَلَئِنْ جِئْتَهُمْ بِآيَةٍ﴾ [الروم: ٥٨] مثل العصا واليد، ﴿لَيَقُولَنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا إِنْ أَنْتُمْ﴾ [الروم: ٥٨] ما أنتم يا محمد وأصحابك، إلا مبطلون أصحاب أباطيل، وهذا إخبار عن عنادهم وتكذيبهم.
ثم ذكر سبب ذلك، فقال: ﴿كَذَلِكَ يَطْبَعُ اللَّهُ عَلَى قُلُوبِ الَّذِينَ لا يَعْلَمُونَ﴾ [الروم: ٥٩] أي: كالذي طبع على قلوبهم حتى لا يصدقون بآية يختم الله على قلوب الذين لا يعلمون توحيد الله، فكل من لم يعلم توحيد الله فذلك لأجل طبع الله على قلبه.
ثم أمر نبيه بالصبر إلى وقت النصر بقوله: ﴿فَاصْبِرْ إِنَّ وَعْدَ اللَّهِ﴾ [الروم: ٦٠] بنصر دينك وإظهارك على عدوك، ﴿حَقٌّ وَلا يَسْتَخِفَّنَّكَ﴾ [الروم: ٦٠] الذين لا يؤمنون، يقال: استخف فلان فلانا إذا استجهله فحمله على اتباعه في غيه، والمفسرون يقولون: لا يستخفن رأيك وعلمك.
﴿الَّذِينَ لا يُوقِنُونَ﴾ [الروم: ٦٠] بالبعث والحساب، أي هم ضلال شاكون.