شَكُورٍ ﴿٣١﴾ وَإِذَا غَشِيَهُمْ مَوْجٌ كَالظُّلَلِ دَعَوُا اللَّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ فَلَمَّا نَجَّاهُمْ إِلَى الْبَرِّ فَمِنْهُمْ مُقْتَصِدٌ وَمَا يَجْحَدُ بِآيَاتِنَا إِلا كُلُّ خَتَّارٍ كَفُورٍ ﴿٣٢﴾ } [لقمان: ٢٧-٣٢] ﴿وَلَوْ أَنَّمَا فِي الأَرْضِ مِنْ شَجَرَةٍ أَقْلامٌ﴾ [لقمان: ٢٧] قال قتادة: إن المشركين قالوا في القرآن: يوشك أن ينفد، يوشك أن ينقطع.
فنزلت هذه الآية، يقول: لو كان ما في الأرض من شجرة بريت أقلاما، وكان البحر مدادا ومعه سبعة أبحر مدادا مثله، وهو قوله: والبحر يمده قرئ نصبا بالعطف على ما، ورفعا بالاستئناف، كأنه كان قال: والبحر هذه حاله، وهي أن تنصب فيه سبعة أبحر، ونزيده بمائها، فكتبت بتلك الأقلام، لنفد المداد قبل أن ينفد علم الله، وهو قوله: ﴿مَا نَفِدَتْ كَلِمَاتُ اللَّهِ﴾ [لقمان: ٢٧] قال جماعة المفسرين: يعني علم الله.
والمعنى: كلمات الله التي هي عبارة عن معلوماته، ولما كان معلوم الله لا يتناهى، فكذلك الكلمات التي تقع عبارة عن معلومه لا تتناهى، والآية مختصرة، ويكون تقدير الكلام فكتبت بهذه الأقلام البحور ما نفدت كلمات الله.
قوله: ﴿مَا خَلْقُكُمْ وَلا بَعْثُكُمْ﴾ [لقمان: ٢٨] الآية، قال مقاتل: إن كفار قريش قالوا: إن الله خلقنا أطوارا، نطفة، علقة، مضغة، فكيف يبعثنا الله خلقا جديدا في ساعة واحدة؟ فأنزل الله هذه الآية، يقول: ما خلقكم أيها الناس جميعا في القدرة إلا كخلق نفس واحدة، ولا بعثكم جميعا إلا كبعث نفس واحدة.
قال الزجاج: أي قدرة الله على بعث الخلق كلهم وعلى خلقهم كقدرته على خلق نفس واحدة، وبعث نفس واحدة.
﴿إِنَّ اللَّهَ سَمِيعٌ﴾ [لقمان: ٢٨] لما قالوا من أمر الخلق والبعث، بصير به.
وما بعد هذا مفسر فيما تقدم إلى قوله: ﴿أَلَمْ تَرَ أَنَّ الْفُلْكَ تَجْرِي فِي الْبَحْرِ بِنِعْمَتِ اللَّهِ﴾ [لقمان: ٣١] قال ابن عباس: يريد أن ذلك كله من نعمة الله عليكم.
﴿لِيُرِيَكُمْ مِنْ آيَاتِهِ﴾ [لقمان: ٣١] من صنعه وعجائبه في البحر، وابتغاء الرزق، ﴿إِنَّ فِي ذَلِكَ لآيَاتٍ لِكُلِّ صَبَّارٍ﴾ [لقمان: ٣١] عن معاصي الله شكور لنعمه، قال مقاتل: يعني المؤمن.
وإذا غشيهم يعني: الكفار يقول إذا علاهم موج وهو ما ارتفع من الماء كالظلل كالجبال، أو السحاب التي تظل من تحتها خافوا الغرق والهلاك، ف ﴿دَعَوُا اللَّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ﴾ [لقمان: ٣٢] وهذا كقوله: ﴿فَإِذَا رَكِبُوا فِي الْفُلْكِ دَعَوُا اللَّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ﴾ [العنكبوت: ٦٥] وكان سبب إسلام عكرمة بن أبي جهل هذا، وهو إخلاصهم الدعاء في البحر.
٧٢٦ - أَخْبَرَنَا الأُسْتَاذُ أَبُو طَاهِرٍ الزِّيَادِيُّ، رَحِمَهُ اللَّهُ، أنا مُحَمَّدُ بْنُ الْحُسَيْنِ بْنِ الْحَسَنِ بْنِ الْخَلِيلِ، نا أَحْمَدُ بْنُ يُوسُفَ السُّلَمِيُّ، نا أَحْمَدُ بْنُ الْمُفَضَّلِ، نا أَسْبَاطُ بْنُ نَصْرٍ، قَالَ: زَعَمَ السُّدِّيُّ، عَنْ مُصْعَبِ بْنِ سَعْدٍ، عَنْ أَبِيهِ، قَالَ: لَمَّا كَانَ يَوْمُ فَتْحِ مَكَّةَ أَمَّنَ رَسُولُ اللَّهِ، صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، النَّاسَ إِلا أَرْبَعَةَ نَفَرٍ "، وَقَالَ: اقْتُلُوهُمْ وَإِنْ وَجَدْتُمُوهُمْ مُتَعَلِّقِينَ بِأَسْتَارِ الْكَعْبَةِ: عِكْرِمَةَ بْنَ أَبِي جَهْلٍ، وَعَبْدَ اللَّهِ بْنِ خَطَلٍ، وَمَقِيسَ بْنَ صُبَابَةَ، وَعَبْدَ اللَّهِ بْنَ سَعْدِ بْنِ أَبِي الْيُسْرِ، فَأَمَّا عِكْرِمَةُ فَرَكِبَ الْبَحْرَ فَأَصَابَتْهُمْ رِيحٌ عَاصِفٌ، فَقَالَ أَهْلُ السَّفِينَةُ: أَخْلِصُوا فَإِنَّ آلِهَتَكُمْ لا تُغْنِي عَنْكُمْ شَيْئًا هَهُنَا، فَقَالَ عِكْرِمَةُ: لَئِنْ لَمْ يُنَجِّنِي فِي الْبَحْرِ إِلا الإِخْلاصُ مَا يُنَجِّينِي فِي الْبَرِّ غَيْرُ اللَّهِ، اللَّهُمَّ إِنَّ لَكَ عَلَيَّ إِنْ أَنْتَ عَافَيْتَنِي مِمَّا أَنَا فِيهِ