بَيْنَ يَدَيْهِ بِإِذْنِ رَبِّهِ} [سبأ: ١٢] أي: بأمر ربه، قال ابن عباس: سخرهم الله لسليمان وأمرهم بطاعته فيما يأمرهم به.
ومن يزغ، يعدل منهم من الجن، عن أمرنا له بطاعة سليمان، ﴿نُذِقْهُ مِنْ عَذَابِ السَّعِيرِ﴾ [سبأ: ١٢] في الآخرة، وهو أن الله تعالى وكل ملكا بيده سوط من نار، فمن زاغ عن طاعة سليمان ضربه ضربة أحرقته، والمفسرون على أن هذه الإذاقة من عذاب السعير في الآخرة.
يعملون له لسليمان، ﴿مَا يَشَاءُ مِنْ مَحَارِيبَ﴾ [سبأ: ١٣] من الأبنية الرفيعة والقصور، قال المفسرون: فبنوا له الأبنية العجيبة باليمن: صرواح، ومرواح، وقلثون، وهندة، وهنيدة، وقلثوم، وعمدان، وبيتون، وهذه حصون باليمن عملتها الشياطين.
وقوله: وتماثيل جمع تمثال، وهو كل شيء مثلته بشيء، يعني صورا من نحاس وزجاج ورخام، كانت الجن تعملها، قالوا: وهي صور الأنبياء والملائكة، كانت تصور في المساجد ليراها الناس فيزدادوا عبادة، وهذا يدل على أن التصوير كان مباحا في ذلك الزمان.
وجفان جمع جفنة، وهي القصعة الكبيرة، كالجوابي جمع الجيبة وهي الحوض الكبير، يجبي الماء، أي يجمعه، قال المفسرون: يعني قصاعا في العظم كحياض الإبل يجتمع على القصعة الواحدة ألف رجل يأكلون منها، ﴿وَقُدُورٍ رَاسِيَاتٍ﴾ [سبأ: ١٣] ثابتات لها قوائم لا يخرجن عن أماكنها وكانت بأرض تتخذ من الجبال، ثم قال: ﴿اعْمَلُوا آلَ دَاوُدَ شُكْرًا﴾ [سبأ: ١٣] أي: وقلنا اعملوا بطاعة الله آل داود شكرا له على ما آتاكم.
﴿وَقَلِيلٌ مِنْ عِبَادِيَ الشَّكُورُ﴾ [سبأ: ١٣] العامل بطاعتي شكرا لنعمتي، قوله: ﴿فَلَمَّا قَضَيْنَا عَلَيْهِ الْمَوْتَ مَا دَلَّهُمْ عَلَى مَوْتِهِ إِلا دَابَّةُ الأَرْضِ تَأْكُلُ مِنْسَأَتَهُ فَلَمَّا خَرَّ تَبَيَّنَتِ الْجِنُّ أَنْ لَوْ كَانُوا يَعْلَمُونَ الْغَيْبَ مَا لَبِثُوا فِي الْعَذَابِ الْمُهِينِ﴾ [سبأ: ١٤] ﴿فَلَمَّا قَضَيْنَا عَلَيْهِ الْمَوْتَ﴾ [سبأ: ١٤] قال المفسرون: كانت الإنس في زمان سليمان تقول: إن الجن تعلم الغيب الذي يكون في، غد فلما مات سليمان مكث على عصاه حولا ميتا، والجن تعمل تلك الأعمال الشاقة التي كانت تعمل في حياة سليمان، لا يشعرون بموته حتى أكلت الأرضة عصا سليمان، فخر ميتا، فعلموا بموته، وعلم الإنس أن الجن لا تعلم الغيب.
فذلك قوله تعالى: ﴿مَا دَلَّهُمْ عَلَى مَوْتِهِ إِلا دَابَّةُ الأَرْضِ﴾ [سبأ: ١٤] يعني الأرضة، تأكل منسأته يعني عصاه، قال الزجاج: المنسأة التي ينسأ بها، أي: يطرد ويزجر، وأكثر القراء على همزة المنسأة، وقرأ أبو عمرو بغير همز، قال المبرد: بعض العرب يبدل من همزتها ألفا يقولون منساة، وأنشد:
إذا دببت على المنساة من كبر فقد تباعد عنك اللهو والغزل
وقوله: فلما خر أي: سقط ميتا، تبينت الجن أي: ظهرت وانكشفت للناس أنهم لا يعلمون الغيب، ولو كانوا