﴿وَمَا يَسْتَوِي الْبَحْرَانِ هَذَا عَذْبٌ فُرَاتٌ سَائِغٌ شَرَابُهُ وَهَذَا مِلْحٌ أُجَاجٌ وَمِنْ كُلٍّ تَأْكُلُونَ لَحْمًا طَرِيًّا وَتَسْتَخْرِجُونَ حِلْيَةً تَلْبَسُونَهَا وَتَرَى الْفُلْكَ فِيهِ مَوَاخِرَ لِتَبْتَغُوا مِنْ فَضْلِهِ وَلَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ {١٢﴾ يُولِجُ اللَّيْلَ فِي النَّهَارِ وَيُولِجُ النَّهَارَ فِي اللَّيْلِ وَسَخَّرَ الشَّمْسَ وَالْقَمَرَ كُلٌّ يَجْرِي لأَجَلٍ مُسَمًّى ذَلِكُمُ اللَّهُ رَبُّكُمْ لَهُ الْمُلْكُ وَالَّذِينَ تَدْعُونَ مِنْ دُونِهِ مَا يَمْلِكُونَ مِنْ قِطْمِيرٍ ﴿١٣﴾ إِنْ تَدْعُوهُمْ لا يَسْمَعُوا دُعَاءَكُمْ وَلَوْ سَمِعُوا مَا اسْتَجَابُوا لَكُمْ وَيَوْمَ الْقِيَامَةِ يَكْفُرُونَ بِشِرْكِكُمْ وَلا يُنَبِّئُكَ مِثْلُ خَبِيرٍ ﴿١٤﴾ } [فاطر: ١٢-١٤] قوله: ﴿وَمَا يَسْتَوِي الْبَحْرَانِ﴾ [فاطر: ١٢] يعني: العذب والمالح، ثم ذكرهما، فقال: ﴿هَذَا عَذْبٌ فُرَاتٌ سَائِغٌ شَرَابُهُ﴾ [فاطر: ١٢] جائز في الحلق، ﴿وَهَذَا مِلْحٌ أُجَاجٌ﴾ [فاطر: ١٢] شديد الملوحة، وما بعد هذا مفسر فيما سبق إلى قوله: ﴿وَالَّذِينَ تَدْعُونَ مِنْ دُونِهِ مَا يَمْلِكُونَ مِنْ قِطْمِيرٍ﴾ [فاطر: ١٣] وهو القشرة الرفيعة التي على النواة كاللفافة لها، إن تدعوهم لكشف خير، ﴿لا يَسْمَعُوا دُعَاءَكُمْ﴾ [فاطر: ١٤] لأنها جماد لا تنفع ولا تضر، ولو سمعوا بأن يخلق الله لها سمعا، ﴿مَا اسْتَجَابُوا لَكُمْ﴾ [فاطر: ١٤] لم تكن عندهم إجابة، ﴿وَيَوْمَ الْقِيَامَةِ يَكْفُرُونَ بِشِرْكِكُمْ﴾ [فاطر: ١٤] يتبرءون من عبادتكم، يقولون: ما كنتم إيانا تعبدون.
ولا ينبئك يا محمد، مثل خبير عالم بالأشياء، يعني نفسه تعالى، لا أحد أخبر منه بأن هذا الذي ذكر من أمر الأصنام كائن، فلا ينبئك مثله في عمله، لأنه لا مثل له في العلم وفي كل شيء.
قوله: ﴿يَأَيُّهَا النَّاسُ أَنْتُمُ الْفُقَرَاءُ إِلَى اللَّهِ وَاللَّهُ هُوَ الْغَنِيُّ الْحَمِيدُ {١٥﴾ إِنْ يَشَأْ يُذْهِبْكُمْ وَيَأْتِ بِخَلْقٍ جَدِيدٍ ﴿١٦﴾ وَمَا ذَلِكَ عَلَى اللَّهِ بِعَزِيزٍ ﴿١٧﴾ وَلا تَزِرُ وَازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرَى وَإِنْ تَدْعُ مُثْقَلَةٌ إِلَى حِمْلِهَا لا يُحْمَلْ مِنْهُ شَيْءٌ وَلَوْ كَانَ ذَا قُرْبَى إِنَّمَا تُنْذِرُ الَّذِينَ يَخْشَوْنَ رَبَّهُمْ بِالْغَيْبِ وَأَقَامُوا الصَّلاةَ وَمَنْ تَزَكَّى فَإِنَّمَا يَتَزَكَّى لِنَفْسِهِ وَإِلَى اللَّهِ الْمَصِيرُ ﴿١٨﴾ } [فاطر: ١٥-١٨] ﴿يَأَيُّهَا النَّاسُ أَنْتُمُ الْفُقَرَاءُ إِلَى اللَّهِ﴾ [فاطر: ١٥] المحتاجون إليه في رزقه ومغفرته، ﴿وَاللَّهُ هُوَ الْغَنِيُّ﴾ [فاطر: ١٥] عن عبادتكم، الحميد عند خلقه بإحسانه إليهم.
﴿إِنْ يَشَأْ يُذْهِبْكُمْ﴾ [فاطر: ١٦] مفسر فيما تقدم إلى قوله: ﴿وَإِنْ تَدْعُ مُثْقَلَةٌ﴾ [فاطر: ١٨] أي: نفس مثقلة بالذنوب، إلى حملها إلى ما حملت من الخطايا والذنوب، ﴿لا يُحْمَلْ مِنْهُ﴾ [فاطر: ١٨] أي: من حملها، ﴿شَيْءٌ وَلَوْ كَانَ ذَا قُرْبَى﴾ [فاطر: ١٨] ولو كان الذي تدعوه ذا قرابة ما حمل عنها شيئا، قال ابن عباس: يقول الأب والأم: يا بني احمل عني.
فيقول: حسبي ما علي.
﴿إِنَّمَا تُنْذِرُ الَّذِينَ يَخْشَوْنَ رَبَّهُمْ بِالْغَيْبِ﴾ [فاطر: ١٨] قال الزجاج: تأويله: إن إنذارك إنما ينفع الذين يخشون ربهم، فكأنك تنذرهم دون غيرهم ممن لا ينفعهم الإنذار، كقوله: ﴿إِنَّمَا أَنْتَ مُنْذِرُ مَنْ يَخْشَاهَا﴾ [النازعات: ٤٥].
ومعنى يخشون ربهم بالغيب، أي: وهم غائبون عن أحكام الآخرة، كقوله: يؤمنون بالغيب.
ومن تزكى تطهر من الشرك والفواحش، ﴿فَإِنَّمَا يَتَزَكَّى لِنَفْسِهِ﴾ [فاطر: ١٨] أي: فصلاحه لنفسه، ﴿وَإِلَى اللَّهِ الْمَصِيرُ﴾ [فاطر: ١٨] فيجزى بالأعمال في الآخرة.
قوله: {


الصفحة التالية
Icon