إِنَّا جَعَلْنَا فِي أَعْنَاقِهِمْ أَغْلالا فَهِيَ إِلَى الأَذْقَانِ فَهُمْ مُقْمَحُونَ ﴿٨﴾ وَجَعَلْنَا مِنْ بَيْنِ أَيْدِيهِمْ سَدًّا وَمِنْ خَلْفِهِمْ سَدًّا فَأَغْشَيْنَاهُمْ فَهُمْ لا يُبْصِرُونَ ﴿٩﴾ وَسَوَاءٌ عَلَيْهِمْ أَأَنْذَرْتَهُمْ أَمْ لَمْ تُنْذِرْهُمْ لا يُؤْمِنُونَ ﴿١٠﴾ إِنَّمَا تُنْذِرُ مَنِ اتَّبَعَ الذِّكْرَ وَخَشِيَ الرَّحْمَنَ بِالْغَيْبِ فَبَشِّرْهُ بِمَغْفِرَةٍ وَأَجْرٍ كَرِيمٍ ﴿١١﴾ إِنَّا نَحْنُ نُحْيِي الْمَوْتَى وَنَكْتُبُ مَا قَدَّمُوا وَآثَارَهُمْ وَكُلَّ شَيْءٍ أَحْصَيْنَاهُ فِي إِمَامٍ مُبِينٍ ﴿١٢﴾ } [يس: ٨-١٢] ﴿إِنَّا جَعَلْنَا فِي أَعْنَاقِهِمْ أَغْلالا﴾ [يس: ٨] قال أهل المعاني: هذا على طريق المثل، ولم يكن هناك غل.
قال الفراء: معناه حبسناهم عن الإنفاق في سبيل الله.
كقوله: ﴿وَلا تَجْعَلْ يَدَكَ مَغْلُولَةً إِلَى عُنُقِكَ﴾ [الإسراء: ٢٩] معناه: لا تمسكها عن النفقة، وقوله: فهي يعني أيديهم، كنى عنها ولم يذكرها لأن الأغلال والأعناق تدل عليها، وذلك أن الغل إنما هو يجمع اليد إلى العنق، وقوله: فهم مقمحون قال الفراء، والزجاج: المقمح: الغاض بصره بعد رفع رأسه.
ومعنى الإقماح: رفع الرأس وغض البصر، يقال: أقمح البعير رأسه وقمح إذا رفع رأسه ولم يشرب الماء.
قال الأزهري: أراد الله أن أيديهم لما غلت عند أعناقهم رفعت الأغلال أذناقهم ورءوسهم صعدا فهم مرفوعو الرءوس برفع الأغلال إياها، يدل على هذا المعنى قول قتادة مقمحون: مغلولون.
قوله: ﴿وَجَعَلْنَا مِنْ بَيْنِ أَيْدِيهِمْ سَدًّا وَمِنْ خَلْفِهِمْ سَدًّا﴾ [يس: ٩] يريد منعناهم عن الإيمان لمواقع فهم لا يستطيعون الخروج من الكفر إلى الإيمان، كالمضروب أمامه وخلفه بالأسداد، وهذا معنى قول ابن عباس: منعهم من الهدى لما سبق في علمه عليهم.
وقوله: فأغشيناهم قال الفراء: ألبسنا أبصارهم غشاوة.
أي عمى، ﴿فَهُمْ لا يُبْصِرُونَ﴾ [يس: ٩] سبيل الهدى.
ثم ذكر أن الإنذار لا ينفعهم بعد هذا، بقوله: ﴿وَسَوَاءٌ عَلَيْهِمْ أَأَنْذَرْتَهُمْ أَمْ لَمْ تُنْذِرْهُمْ لا يُؤْمِنُونَ﴾ [يس: ١٠] قال الزجاج: أي من أضله الله هذا الإضلال لم ينفعه الإنذار، إنما ينفع الإنذر من ذكر في قوله: ﴿إِنَّمَا تُنْذِرُ مَنِ اتَّبَعَ الذِّكْرَ﴾ [يس: ١١] يعني القرآن، ﴿وَخَشِيَ الرَّحْمَنَ بِالْغَيْبِ﴾ [يس: ١١] خاف الله في الدنيا، فبشره بمغفرة لذنوبه، وأجر كريم حسن وهو الجنة.
قوله: ﴿إِنَّا نَحْنُ نُحْيِي الْمَوْتَى﴾ [يس: ١٢] يعني البعث، ﴿وَنَكْتُبُ مَا قَدَّمُوا﴾ [يس: ١٢] من خير أو شر عملوه في حياتهم، وآثارهم خطاهم بأرجلهم.
٧٧٨ - أَخْبَرَنَا الشَّرِيفُ إِسْمَاعِيلُ بْنُ الْحَسَنِ بْنِ مُحَمَّدٍ الطَّبَرِيُّ، أنا مُحَمَّدُ بْنُ الْحُسَيْنِ، أنا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مُحَمَّدٍ الشَّرْقِيُّ، نا عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ بِشْرٍ، أنا الثَّوْرِيُّ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ طَرِيفٍ، عَنْ أَبِي نَضْرَةَ، عَنْ أَبِي سَعِيدٍ، قَالَ: شَكَتْ بَنُو سَلَمَةَ إِلَى رَسُولِ اللَّهِ، صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، بُعْدَ مَنَازِلِهِمْ مِنَ الْمَسْجِدِ، فَأَنْزَلَ اللَّهُ، تَعَالَى ﴿وَنَكْتُبُ مَا قَدَّمُوا وَآثَارَهُمْ﴾ فَقَالَ