الْقُرُونِ أَنَّهُمْ إِلَيْهِمْ لا يَرْجِعُونَ ﴿٣١﴾ وَإِنْ كُلٌّ لَمَّا جَمِيعٌ لَدَيْنَا مُحْضَرُونَ ﴿٣٢﴾ } [يس: ٣٠-٣٢] ﴿يَا حَسْرَةً عَلَى الْعِبَادِ﴾ [يس: ٣٠] قال مجاهد، ومقاتل: يا ندامة عليهم في الآخرة باستهزائهم بالرسل في الدنيا.
ثم بين سبب الحسرة، فقال: ﴿مَا يَأْتِيهِمْ مِنْ رَسُولٍ﴾ [يس: ٣٠] أي: في الدنيا، ﴿إِلا كَانُوا بِهِ يَسْتَهْزِءُونَ﴾ [يس: ٣٠].
ثم خوف كفار مكة، فقال: ﴿أَلَمْ يَرَوْا كَمْ أَهْلَكْنَا قَبْلَهُمْ مِنَ الْقُرُونِ﴾ [يس: ٣١] أي: ألم يروا أن القرون التي أهلكناهم، لا يرجعون إليهم أي: لا يعودون إلى الدنيا، أفلا تعتبرون بهم.
﴿وَإِنْ كُلٌّ لَمَّا جَمِيعٌ لَدَيْنَا مُحْضَرُونَ﴾ [يس: ٣٢] يعني أن الأمم يحضرون يوم القيامة فيقفون على ما عملوا.
ثم وعظ كفار مكة ليعتبروا، فقال: ﴿وَآيَةٌ لَهُمُ الأَرْضُ الْمَيْتَةُ أَحْيَيْنَاهَا وَأَخْرَجْنَا مِنْهَا حَبًّا فَمِنْهُ يَأْكُلُونَ {٣٣﴾ وَجَعَلْنَا فِيهَا جَنَّاتٍ مِنْ نَخِيلٍ وَأَعْنَابٍ وَفَجَّرْنَا فِيهَا مِنَ الْعُيُونِ ﴿٣٤﴾ لِيَأْكُلُوا مِنْ ثَمَرِهِ وَمَا عَمِلَتْهُ أَيْدِيهِمْ أَفَلا يَشْكُرُونَ ﴿٣٥﴾ سُبْحَانَ الَّذِي خَلَقَ الأَزْوَاجَ كُلَّهَا مِمَّا تُنْبِتُ الأَرْضُ وَمِنْ أَنْفُسِهِمْ وَمِمَّا لا يَعْلَمُونَ ﴿٣٦﴾ } [يس: ٣٣-٣٦] ﴿وَآيَةٌ لَهُمُ الأَرْضُ الْمَيْتَةُ﴾ [يس: ٣٣] أي: يدلهم على قدرتنا على البعث إحياء الأرض بالنبات بعد أن كانت ميتة لا تنبت شيئا، وهو قوله: ﴿أَحْيَيْنَاهَا وَأَخْرَجْنَا مِنْهَا حَبًّا فَمِنْهُ يَأْكُلُونَ﴾ [يس: ٣٣] يعني: ما يقتات من الحبوب.
وجعلنا فيها في الأرض، ﴿جَنَّاتٍ مِنْ نَخِيلٍ وَأَعْنَابٍ وَفَجَّرْنَا فِيهَا﴾ [يس: ٣٤] في الأرض، من العيون يعني: عيون الماء.
﴿لِيَأْكُلُوا مِنْ ثَمَرِهِ﴾ [يس: ٣٥] يعني: من ثمرة النخيل، وهو في اللفظ مذكر، ﴿وَمَا عَمِلَتْهُ أَيْدِيهِمْ﴾ [يس: ٣٥] أي: ومن ثمرة ما عملت أيديهم، يعني الغروس والحروث التي قاسوا حراثتها، ومن قرأ عملته بالهاء جعلها عائدة إلى ما التي هي بمعنى الذي، ومن قرأ بحذف الهاء فلأن هذه الهاء الراجعة إلى الموصول تجيء محذوفة في أكثر القرآن، كقوله: ﴿أَهَذَا الَّذِي بَعَثَ اللَّهُ رَسُولا﴾ [الفرقان: ٤١]، ﴿وَسَلامٌ عَلَى عِبَادِهِ الَّذِينَ اصْطَفَى﴾ [النمل: ٥٩] وتكون هذه القراءة كقراءة عملته لأن الهاء مرادة، وإن حذفت في اللفظ، ويجوز أن يكون ما في، وما عملته نفيا، وهو معنى قول الضحاك ومقاتل، قال الضحاك: أي وجدوها معمولة ولا صنع لهم فيها.
وقال مقاتل: يقول: لم يكن ذلك من صنيع أيديهم، ولكن من فعلنا.
وقوله: أفلا يشكرون أي: رب هذه النعم فيوحدونه.
ثم نزه نفسه، فقال: ﴿سُبْحَانَ الَّذِي خَلَقَ الأَزْوَاجَ كُلَّهَا﴾ [يس: ٣٦] يعني: أجناس الفواكه والحبوب وأصنافها، ﴿مِمَّا تُنْبِتُ الأَرْضُ وَمِنْ أَنْفُسِهِمْ﴾ [يس: ٣٦] يعني: الذكران والإناث، ﴿وَمِمَّا لا يَعْلَمُونَ﴾ [يس: ٣٦] مما خلق الله من جميع الأنواع والأشياء، مما لا تقف عليه من دواب البر والبحر.
﴿وَآيَةٌ لَهُمُ اللَّيْلُ نَسْلَخُ مِنْهُ النَّهَارَ فَإِذَا هُمْ مُظْلِمُونَ {٣٧﴾ وَالشَّمْسُ تَجْرِي لِمُسْتَقَرٍّ لَهَا ذَلِكَ تَقْدِيرُ