يُحْيِي الْعِظَامَ وَهِيَ رَمِيمٌ ﴿٧٨﴾ قُلْ يُحْيِيهَا الَّذِي أَنْشَأَهَا أَوَّلَ مَرَّةٍ وَهُوَ بِكُلِّ خَلْقٍ عَلِيمٌ ﴿٧٩﴾ الَّذِي جَعَلَ لَكُمْ مِنَ الشَّجَرِ الأَخْضَرِ نَارًا فَإِذَا أَنْتُمْ مِنْهُ تُوقِدُونَ ﴿٨٠﴾ } [يس: ٧٧-٨٠] ﴿أَوَلَمْ يَرَ الإِنْسَانُ أَنَّا خَلَقْنَاهُ مِنْ نُطْفَةٍ فَإِذَا هُوَ خَصِيمٌ مُبِينٌ﴾ [يس: ٧٧] يعني: ألا يرى أنه مخلوق من نطفة، ثم هو يخاصم! وهذا تعجيب من جهله، وإنكار عليه خصومته، أي: كيف لا يتفكر في بدء خلقه حتى يدع خصومته.
ثم أكد الإنكار عليه بقوله: ﴿وَضَرَبَ لَنَا مَثَلا﴾ [يس: ٧٨] يعني أنه ضرب المثل في إنكار البعث بالعظم البالي، يفته بيده، ويتعجب ممن يقول: إن الله يحييه.
ونسي خلقه قال مقاتل: وترك النظر في خلق نفسه، إذ خلق من نطفة.
ثم بين ذلك المثل بقوله: ﴿قَالَ مَنْ يُحْيِي الْعِظَامَ وَهِيَ رَمِيمٌ﴾ [يس: ٧٨] قاس قدرة الله بقدرة الخلق، فأنكر إحياء العظم البالي لما لم يكن ذلك في مقدور الخلق، يقال: رم العظم يرم رما إذا بلي، وهو رميم، والعظام رميم، ولا يقال بالهاء لأنه مصروف إلى فعيل.
قال الله تعالى: ﴿قُلْ يُحْيِيهَا الَّذِي أَنْشَأَهَا﴾ [يس: ٧٩] ابتدأها وخلقها، ﴿أَوَّلَ مَرَّةٍ وَهُوَ بِكُلِّ خَلْقٍ﴾ [يس: ٧٩] من الابتداء والإعادة، عليم.
ثم زاد في البيان، وأخبر عن عجيب صنعه، فقال: ﴿الَّذِي جَعَلَ لَكُمْ مِنَ الشَّجَرِ الأَخْضَرِ نَارًا﴾ [يس: ٨٠] يعني: ما جعل من النار في المرخ والقفار، وهما شجرتان تتخذ الأعراب زنودها منها، وهو قوله: ﴿فَإِذَا أَنْتُمْ مِنْهُ تُوقِدُونَ﴾ [يس: ٨٠] تقدحون النار، وتوقدونها من ذلك الشجر.
ثم ذكر ما هو أعظم خلقا من الإنسان، فقال: ﴿أَوَلَيْسَ الَّذِي خَلَقَ السَّمَوَاتِ وَالأَرْضَ بِقَادِرٍ عَلَى أَنْ يَخْلُقَ مِثْلَهُمْ بَلَى وَهُوَ الْخَلاقُ الْعَلِيمُ {٨١﴾ إِنَّمَا أَمْرُهُ إِذَا أَرَادَ شَيْئًا أَنْ يَقُولَ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ ﴿٨٢﴾ فَسُبْحَانَ الَّذِي بِيَدِهِ مَلَكُوتُ كُلِّ شَيْءٍ وَإِلَيْهِ تُرْجَعُونَ ﴿٨٣﴾ } [يس: ٨١-٨٣] ﴿أَوَلَيْسَ الَّذِي خَلَقَ السَّمَوَاتِ وَالأَرْضَ﴾ [يس: ٨١] في عظمها وكثرة أجزائها، يقدر على إعادة خلق البشر، ثم أجاب هذا الاستفهام بقوله: بلى أي: هو قادر على ذلك، وهو الخلاق يخلق خلقا بعد خلقا، العليم بجميع ما خلق.
ثم ذكر قدرته على إيجاد الشيء، فقال: ﴿إِنَّمَا أَمْرُهُ إِذَا أَرَادَ شَيْئًا أَنْ يَقُولَ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ﴾ [يس: ٨٢] وقد تقدم تفسيرها.
ثم نزه نفسه من أن يوصف بغير القدرة، فقال: ﴿فَسُبْحَانَ الَّذِي بِيَدِهِ مَلَكُوتُ كُلِّ شَيْءٍ﴾ [يس: ٨٣] أي: ملك كل شيء، والقدرة على كل شيء.
وإليه ترجعون تردون بعد الموت.