شُرَيْحٍ، وَإِضَافَةِ الْعَجَبِ إِلَى اللَّهِ، تَعَالَى، وَرَدَ بِهِ الْخَبَرُ كَقَوْلِهِ: صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ «عَجِبَ رَبُّكُمْ مِنْ شَابٍّ لَيْسَتْ لَهُ صَبْوَةٌ» وَ «عَجِبَ رَبُّكُمْ مِنْ إِلِّكُمْ وَقُنُوطِكُمْ» وَ «عَجِبَ اللَّهُ الْبَارِحَةَ مِنْ فُلانٍ وَفُلانَةٍ» وَيَكُونُ ذَلِكَ عَلَى وَجْهَيْنِ؛ عَجِبَ مِمَّا يَرْضَى؛ وَمَعْنَاهُ: الاسْتِحْسَانُ وَالْخَبَرُ عَنْ تَمَامِ الرِّضَا، وَعَجِبَ مِمَّا يَكْرَهُ؛ وَمَعْنَاهُ: الإِنْكَارُ وَالذَّمُّ لَهُ، وَتَأْوِيلُ الآيَةِ: أَنَّ اللَّهَ، تَعَالَى، ذَكَرَ الْكُفَّارَ وَمَا هُمْ فِيهِ مِنَ الْكُفْرِ وَالتَّكْذِيبِ وَسُخْطِهِ عَلَيْهِمْ وَهُمْ يَسْخَرُونَ وَيَسْتَهْزِئُونَ وَلا يَتَفَكَّرُونَ
قوله: ﴿وَإِذَا ذُكِّرُوا لا يَذْكُرُونَ﴾ [الصافات: ١٣] أي: إذا وعظوا بالقرآن لا يتعظون به.
﴿وَإِذَا رَأَوْا آيَةً﴾ [الصافات: ١٤] قال ابن عباس، ومقاتل: يعني انشقاق القمر.
يستسخرون يسخرون ويستهزئون ويقولون: هذا عمل السحرة.
وهو قوله: ﴿وَقَالُوا إِنْ هَذَا إِلا سِحْرٌ مُبِينٌ﴾ [الصافات: ١٥] جعلوا ما يدل على التوحيد مما يعجزون عنه سحرا.
ثم ذكر إنكارهم البعث بقوله: ﴿أَئِذَا مِتْنَا وَكُنَّا تُرَابًا وَعِظَامًا أَئِنَّا لَمَبْعُوثُونَ﴾ [الصافات: ١٦] وقد مضت في مواضع.
وقوله: ﴿أَوَ آبَاؤُنَا الأَوَّلُونَ﴾ [الواقعة: ٤٨] ألف الاستفهام دخلت على حرف العطف، كقوله: ﴿أَوَ أَمِنَ أَهْلُ الْقُرَى﴾ [الأعراف: ٩٨].
قال الله تعالى: قل لهم: نعم يبعثون، وأنتم داخرون صاغرون، والدخور أشد الصغار.
ثم ذكر أن بعثهم يقع بزجرة واحدة، فقال: ﴿فَإِنَّمَا هِيَ زَجْرَةٌ وَاحِدَةٌ﴾ [الصافات: ١٩] أي: فإنما قضية البعث صيحة واحدة من إسرافيل، يعني: نفخة البعث.
﴿فَإِذَا هُمْ يَنْظُرُونَ﴾ [الصافات: ١٩] إلى البعث الذي كذبوا به.
فلما عاينوا البعث ذكروا قول الرسل في الدنيا إن البعث حق فدعوا بالويل: ﴿وَقَالُوا يَا وَيْلَنَا هَذَا يَوْمُ الدِّينِ {٢٠﴾ هَذَا يَوْمُ الْفَصْلِ الَّذِي كُنْتُمْ بِهِ تُكَذِّبُونَ ﴿٢١﴾ احْشُرُوا الَّذِينَ ظَلَمُوا وَأَزْوَاجَهُمْ وَمَا كَانُوا يَعْبُدُونَ ﴿٢٢﴾ مِنْ دُونِ اللَّهِ فَاهْدُوهُمْ إِلَى صِرَاطِ الْجَحِيمِ ﴿٢٣﴾ وَقِفُوهُمْ إِنَّهُمْ مَسْئُولُونَ ﴿٢٤﴾ مَا لَكُمْ لا تَنَاصَرُونَ ﴿٢٥﴾ بَلْ هُمُ الْيَوْمَ مُسْتَسْلِمُونَ ﴿٢٦﴾ } [الصافات: ٢٠-٢٦] ﴿وَقَالُوا يَا وَيْلَنَا﴾ [الصافات: ٢٠] من العذاب، ﴿هَذَا يَوْمُ الدِّينِ﴾ [الصافات: ٢٠] الحساب الجزاء، نجازى فيه ما عملنا.
فقالت الملائكة: ﴿هَذَا يَوْمُ الْفَصْلِ﴾ [الصافات: ٢١] يوم القضاء، ﴿الَّذِي كُنْتُمْ بِهِ تُكَذِّبُونَ﴾ [الصافات: ٢١] يفصل فيه بين المحسن والمسيء.
ويقال في ذلك اليوم: ﴿احْشُرُوا الَّذِينَ ظَلَمُوا﴾ [الصافات: ٢٢] اجمعوهم من حيث بعثوا إلى الموقف والحساب، والمراد بالذين ظلموا الذين أشركوا من بني آدم، وقوله: وأزواجهم قال الحسن: يعني المشركات، كأنه قال: احشروا المشركين والمشركات.
وقال جماعة المفسرين: أشباههم وأمثالهم، وأتباعهم ونظراءهم وضرباءهم.
وعلى هذا القول يحمل الذين ظلموا على القادة والرؤساء وأزواجهم أتباعهم.
{وَمَا كَانُوا يَعْبُدُونَ ﴿٢٢﴾ مِنْ دُونِ اللَّهِ} [الصافات: ٢٢-٢٣] يعني: الأوثان والطواغيت، وقال مقاتل: يعني إبليس وجنده.
واحتج بقوله: ﴿أَنْ لا تَعْبُدُوا الشَّيْطَانَ﴾ [يس: ٦٠].
﴿فَاهْدُوهُمْ إِلَى صِرَاطِ الْجَحِيمِ﴾ [الصافات: ٢٣] دلوهم عليها، أي: اذهبوا بهم إلى الجحيم.


الصفحة التالية
Icon