كما تورد الإبل الماء، ثم يردون إلى الجحيم، ويدل على صحة ما ذكرنا قوله: ﴿يَطُوفُونَ بَيْنَهَا وَبَيْنَ حَمِيمٍ آنٍ﴾ [الرحمن: ٤٤].
إنهم ألفوا وجدوا، آباءهم ضالين عن الهدى.
﴿فَهُمْ عَلَى آثَارِهِمْ يُهْرَعُونَ﴾ [الصافات: ٧٠] يسعون في مثل أعمال آبائهم، قال الكلبي: يعملون مثل عملهم.
وقال ابن عباس، وقتادة: يسرعون.
قال الزجاج: يتبعون آباءهم اتباعا في سرعة كأنهم يزعجون إلى أتباع آبائهم.
يقال: هرع الرجل وأهرع إذا استحث فأسرع.
﴿وَلَقَدْ ضَلَّ قَبْلَهُمْ أَكْثَرُ الأَوَّلِينَ {٧١﴾ وَلَقَدْ أَرْسَلْنَا فِيهِمْ مُنْذِرِينَ ﴿٧٢﴾ فَانْظُرْ كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ الْمُنذَرِينَ ﴿٧٣﴾ إِلا عِبَادَ اللَّهِ الْمُخْلَصِينَ ﴿٧٤﴾ } [الصافات: ٧١-٧٤] ﴿وَلَقَدْ ضَلَّ قَبْلَهُمْ﴾ [الصافات: ٧١] قبل هؤلاء المشركين، أكثر الأولين من الأمم الخالية.
﴿وَلَقَدْ أَرْسَلْنَا فِيهِمْ﴾ [الصافات: ٧٢] رسلا، منذرين ينذرونهم العذاب على ترك الإيمان.
﴿فَانْظُرْ كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ الْمُنذَرِينَ﴾ [الصافات: ٧٣] الذين أنذروا بالعذاب.
قال مقاتل: يقول: كأن عاقبتهم العذاب يحذر كفار مكة.
ثم استثنى المؤمنين منهم، فقال: ﴿إِلا عِبَادَ اللَّهِ الْمُخْلَصِينَ﴾ [الصافات: ٧٤] يعني: الموحدين الذين نجوا من العذاب.
﴿وَلَقَدْ نَادَانَا نُوحٌ فَلَنِعْمَ الْمُجِيبُونَ {٧٥﴾ وَنَجَّيْنَاهُ وَأَهْلَهُ مِنَ الْكَرْبِ الْعَظِيمِ ﴿٧٦﴾ وَجَعَلْنَا ذُرِّيَّتَهُ هُمُ الْبَاقِينَ ﴿٧٧﴾ وَتَرَكْنَا عَلَيْهِ فِي الآخِرِينَ ﴿٧٨﴾ سَلامٌ عَلَى نُوحٍ فِي الْعَالَمِينَ ﴿٧٩﴾ إِنَّا كَذَلِكَ نَجْزِي الْمُحْسِنِينَ ﴿٨٠﴾ إِنَّهُ مِنْ عِبَادِنَا الْمُؤْمِنِينَ ﴿٨١﴾ ثُمَّ أَغْرَقْنَا الآخَرِينَ ﴿٨٢﴾ } [الصافات: ٧٥-٨٢] قوله: ﴿وَلَقَدْ نَادَانَا نُوحٌ﴾ [الصافات: ٧٥] دعا ربه على قومه فقال: ﴿أَنِّي مَغْلُوبٌ فَانْتَصِرْ﴾ [القمر: ١٠].
﴿فَلَنِعْمَ الْمُجِيبُونَ﴾ [الصافات: ٧٥] نحن، يعني: أجبنا دعاءه وأهلكنا قومه الكافرين.
﴿وَنَجَّيْنَاهُ وَأَهْلَهُ مِنَ الْكَرْبِ﴾ [الصافات: ٧٦] الغم، العظيم الذي لحق قومه، وهو الغرق.
﴿وَجَعَلْنَا ذُرِّيَّتَهُ هُمُ الْبَاقِينَ﴾ [الصافات: ٧٧] وذلك أنه لم يبق من نسل من كان معه في السفينة إلا من ولد نوح، يدل على هذا ما:
٧٨٥ - أَخْبَرَنَا سَعِيدُ بْنُ مُحَمَّدٍ الزَّاهِدُ، أنا أَبُو عَلِيِّ بْنُ أَحْمَدَ الْفَقِيهُ، أنا إِبْرَاهِيمُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ الزَّيْنِيُّ، نا بُنْدَارٌ، نا مُحَمَّدُ بْنُ خَالِدِ بْنِ عَثْمَةَ، نا سَعِيدُ بْنُ بَشِيرٍ، عَنْ قَتَادَةَ، عَنِ الْحَسَنِ، عَنْ سَمُرَةَ، عَنِ النَّبِيِّ، صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فِي قَوْلِهِ: ﴿وَجَعَلْنَا ذُرِّيَّتَهُ هُمُ الْبَاقِينَ﴾ قَالَ: سَامٌ وَحَامٌ وَيَافِثُ، فَسَّرَ الذُّرِّيَّةَ الْبَاقِيَةَ بِهَؤُلاءِ الثَّلاثَةِ، فَسَامٌ أَبُو الْعَرَبِ، وَحَامٌ أَبُو الْحَبَشِ، وَيَافِثُ أَبُو الرُّومِ
﴿وَتَرَكْنَا عَلَيْهِ فِي الآخِرِينَ﴾ [الصافات: ٧٨] في الذين يجيئون بعده إلى يوم القيامة، قال ابن عباس، ومقاتل: تركنا عليه ثناءا حسنا.
وهو قوله: ﴿سَلامٌ عَلَى نُوحٍ فِي الْعَالَمِينَ﴾ [الصافات: ٧٩] يعني بالسلام الثناء الحسن، قال الزجاج: تركنا عليه الذكر الجميل إلى يوم القيامة.
وذلك الذكر قوله: ﴿سَلامٌ عَلَى نُوحٍ﴾ [الصافات: ٧٩] أي: تركنا عليه في الآخرين أن يصلى عليه إلى يوم القيامة، ﴿إِنَّا كَذَلِكَ نَجْزِي الْمُحْسِنِينَ﴾ [الصافات: ٨٠] قال مقاتل: جزاه الله بإحسانه الثناء الحسن في العالمين.